بعض الطوائف ظهرت لنا في هذه العصور وهي تقولون: القصاص: إن القتل، أو قطع اليد، أو الرجم حتى الموت، هذه وحشية، وهذا ليس بدين، بل هذا دين قبائل البربر.
فنقول: هؤلاء يردون حكم الله وشرعه، وهذا قدح في حكمة الله جل في علاه، ويقولون: ما الفائدة عندما تقطع يد من سرق ربع دينار، وتعطل الرَّجُل من يده فلا يكتسب، لكن لو أخذته وهددته ونصحته ثم جعلته يعمل بهذه اليد لأفدت المجتمع، واستفاد الرجل بعد ذلك بالمال وعف نفسه ولا يسرق؟ ويقولون: إن شرع الله جل في علاه لا يصح لهذه القرون التي نعيش فيها، نقول: هذا قدح في حكمة الله جل في علاه، ونحن نرد عليهم بأمر جلي، قال الله تعالى بالنسبة للقتل: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ} [البقرة:179]، فهناك حكمتان في القصاص: الحكمة الأولى: أن الإنسان إذا علم أنه إن قتل فسيقتل فإنه سيقول: وأنا لِمَ أضيع حياتي بحياة غيري؟ فليكن له ما له ولي حياتي، فلا يقدمن على القتل.
الحكمة الثانية: أنه إن أقيم عليه الحد واقتص منه في الدنيا فلا يسأل عن ذلك يوم القيامة؛ يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (فمن ارتكب من هذه الدناءات وهذه المحرمات شيئاً فعوقب به -يعني: أقيم عليه الحد- في الدنيا فهو كفارة له) أي: لا يسأل عنها يوم القيامة.
إذاً: فقتل النفس التي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه: (إن الله جل في علاه يقسم بعزته: لو تمالأ أهل السماوات وأهل الأرضين على قتل دم مسلم لأكبهم الله في النار ولا يبالي) هذا يدل على عظمة دم المرء المسلم عند الله جل في علاه، ومع ذلك فإن الله لا يحاسبه إذا قتل به قصاصاً، فجعل الله له المخرج يوم القيامة.
وأيضاً نفس الأمر في قطع اليد، فالشخص إذا سرق فقطعت يده ورأى الناس ذلك، فإنهم لا يقدمون على السرقة، وتجد الواحد يقول: تقطع يدي بربع دينار لا والله! بل أحفظها حتى لا تهون ولا أهون ولا أحتقر بين الناس، فيلتزم بشرع الله جل في علاه، وهذه حكمة بالغة.