ومن القياسات الباطلة: قياس التمسح بقبر الولي على التمسح بالحجر الأسود؛ بجامع التبرك, فقالوا: هذا حجر شريف وهذا حجر شريف, فيتمسحون بالقبر ويقولون: أنتم لو أنكرتم علينا وقلتم: كيف تتمسحون بحجر من الأحجار؟ لقلنا: وأنتم تتمسحون بحجر من الأحجار في الكعبة, ألا تتمسحون بالحجر الأسود, والركن اليماني؟ والجامع بين الحجر الأسود وقبر الولي عندهم الشرف والبركة، فالأولياء لا خوف عليهم ولا هم يحزنون, وهذا من القياسات الباطلة التي نعيشها الآن.
ونرد عليهم شرعاً بأن النبي صلى الله عليه وسلم قبل بالحجر الأسود ولم يتمسح بقبر حمزة رضي الله عنه وأرضاه, ولا بقبر الأفاضل والأخيار الذين قتلوا, وكذلك عمر ما تمسح بقبر النبي صلى الله عليه وسلم, ولكنه ذهب يتمسح بالحجر, وقال: (والله إني لأعلم أنك حجر لا تنفع ولا تضر ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك)، وهذا محض الإتباع, والعبادة توقيفية, فلا يمكن أن تتعدى إلى غيرها إلا بدليل.
وهناك فوارق أخرى أيضاً منها: أن الحجر الأسود من الجنة وهذا القبر ليس من الجنة, فلا يجوز لأحد أن يفعل ذلك ويقارن بين الحجر الأسود وبين هذه القبور.
ومن القياسات الباطلة أيضاً: أنهم قالوا: تقبيل قبر المعظم الولي كتقبيل رأس العالم.
وهذا من القياسات التي نعيشها الآن, وقد سمعتها بأذني من شيخ جليل غفر الله لنا وله, وهذه المقولة تغمر إن شاء الله في بحر حسناته؛ لأنه عاش دهراً يدعوا إلى الله جل في علاه, ولا أحد منا معصوم، لكن نحن نبين الخطأ حتى نتجنبه.
وكان يقول: إن تقبيل قبر الولي كتقبيل رأس العالم, فالعالم معظم والولي قال الله عنه: {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} [يونس:62]، وهذا قياس فاسد الاعتبار؛ لأنه قد ورد في السنة تقبيل رأس المعظم ويده، فعن ابن عباس , وعن ابن عمر قال: (كانوا يقبلون يد النبي صلى الله عليه وسلم ورجله)، وقد قبل ابن عباس يد زيد بن ثابت) إذاً: فالسنة وردت بتقبيل يد العالم ورأسه فهذا موافق للشرع, وأما تقبيل قبر الولي فلم يأت الشرع به، فهو مصادم للشرع.
والفارق الثاني: أن هذا العالم حي وهذا الولي ميت، والفارق بين الحياة والموت كما بين السماء والأرض, فهذا قياس مع الفارق.
والفارق الثالث: أن هذا ما فعله الصحابة، ولو كان خيراً لسبقونا إليه.
والفارق الرابع: أن تقبيل الحجر غير تقبيل البشر، فليس هناك أحد يذهب إلى الكرسي الذي يجلس عليه العالم ويقبله, ولكن هناك الآن من يقبله هو.
وهذه القياسات الباطلة يحاكون بها أهل الجاهلية, ونحن نقول: يا إخواننا الأفاضل ويا علمائنا! ارجعوا إلى دين الله جل في علاه, إلى سنة النبي صلى الله عليه وسلم, وقد قال: (تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا من بعدي: كتاب الله وسنتي)، فأهل الجاهلية بعدما قاسوا هذا القياس الفاسد, تصادموا مع شرع الله، وردوا القياس الصحيح, وإن الله جل في علاه في شرعه لا يفرق بين المتماثلين, ولا يسوي بين المختلفين, ولكنهم قالوا: لا بد أن نعارض, فسووا بين المختلفين, وفرقوا بين المتماثلين, وجاءوا للقياسات التي قاسها الله جل في علاه وهي قياسات صحيحة فردوها.
إذاً: لهم وجهان من الضلال: الوجه الأول: جاءوا للقياس الصحيح فردوه.
الوجه الثاني: أنهم جاءوا للقياس الباطل فأقروه إن من القياسات التي قاسها الله فردها الكفار كثيرة منها.