نبدأ بقولهم: نحن نقيس حياة النبي صلى الله عليه وسلم البرزخية على الحياة الدنيوية, فنقول: أولاً: هذا القياس فاسد الاعتبار؛ لأنه صادم نصاً, وهو أن الله سماه ميتاً، فلا نصادم هذا ولا نقول: هو حي، بل هو ميت, وإذا قال: بل هو حي في قبره, فنقول له: خصصها وقيدها ولا تطلقها، فقل: حي حياة برزخية, حتى نفرق بينها وبين الحياة الدنيوية.
ثانياً: عند تدقيق النظر نجد أن الحياة البرزخية تفارق الحياة الدنيوية, ومن هذه الفوارق أن الحياة الدنيوية أعطى الله للعبد فيه القدرة على أن يشفع ويدعو ويستغفر, وأما الحياة البرزخية فلم يعطه الله ذلك, فقد بين الله أنه أعطاه في الحياة هذا بقوله: {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ} [النساء:64]، و (إذ) ظرف للزمان الماضي، أي: ولو أنهم جاءوك وأنت في حياتك, {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ} [النساء:64]، فالله أعطاك هذه القدرة والقوة على أن تستغفر لهم ويستفيدوا من دعائك، كما قال عكاشة بن محصن: (ادع الله لي)، فأعطونا دليلاً من الشرع يبين أن الله أعطى النبي صلى الله عليه وسلم القدرة في أن يستغفر للمؤمنين, أو يدعو للمؤمنين بعد مماته، لا يوجد إلا قوله صلى الله عليه وسلم: (ومماتي خير لكم).
وحتى في هذه الخيرية التي تذكرون ليس فيها أي تصريح أنه يستغفر ويدعو ويتوسل لهؤلاء عند ربهم جل في علاه, مع أن هذا الحديث باطل مردود ابتداءً, فهذا هو الفارق الأول.
الفارق الثاني: أننا لم نجد في الواقع أن النبي صلى الله عليه وسلم استغفر لأحد وهو في قبره, وما رأينا أن أبا بكر ذهب إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم ليدعو له، فجاءه في المنام فقال له: لقد جئتني لأستغفر لك فاستغفرت لك، فقبل الله مني هذا الاستغفار.
أو عندما أجدبوا ما ذهب عمر فقال: يا رسول الله! إننا نتوسل بك عند ربنا لتمطر السماء, أو ادعو الله لنا لتمطر السماء, وما جاءه النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: قد استغفرت لك وتوسلتُ لتمطر السماء، فأمطرت السماء, لم يحدث ذلك لا شرعاً ولا كوناً ولا واقعاً, وهذا من الفوارق بين الحياة البرزخية وبين الحياة الدنيوية.
الفارق الثالث: إن الحياة البرزخية هي حياة بين الحياة الدنيوية والحياة الأخروية, وقد كتب الله جل في علاه أن العمل في الحياة الدنيوية والحساب في الحياة الأخروية, إلا ما دل الدليل على التخصيص في أن هناك ثمة عمل لبعض الأنبياء في قبورهم, كما رأى النبي صلى الله عليه وسلم موسى يصلي في قبره, وهذه حالة خاصة, وما خرج عن القياس فغيره لا يقاس عليه، والخصوصيات والفضائل لا تعمم, وهذه قاعدة عند المحدثين.
فنقول: إن قياس حياة النبي صلى الله عليه وسلم البرزخية على حياته الدنيوية باطل من وجوه: فهو مصادم لشرع الله جل في علاه, وأيضاً مصادم للعقل الصحيح, فلا يجوز لأحد أن يقول ذلك, فيسعنا ما وسع الصحابة، فما ذهب أبو بكر يفعل ذلك, ولا عمر , ولا غيرهما من الأفاضل، ولو كان خيراً لسبقونا إليه، فعدم فعلهم يدل على شيء من اثنين: إما أنهم جهلوا, ولا يمكن أن نقول: إننا علمنا ما جهلوه, وإما أنهم علموا أنه باطل فكفوا عنه، فلا بد أن يسعنا ما وسعهم، وأن نفعل مثل ما فعلوا، ولن نفلح ولن نصلح إلا يفعل ما فعله الأولون (السلف الصالح).
إذاً: فمن القياسات الباطلة: قياس حياة النبي صلى الله عليه وسلم البرزخية على حياته الدنيوية.
فإذا قال للنبي صلى وهو ميت: يا رسول الله! ادع الله أن يستغفر لي, فهذا شرك أصغر؛ لأن عندهم تأويلات.