القياس الفاسد في الأحكام

أيضاً من الأقيسة الباطلة التي وقعوا فيها في الأحكام أنهم قاسوا الميتة على المذبوحة المذكاة, فقالوا: إن قياس الأولى يقتضي أن تقول: أتمنعوننا -يردون على رسول الله حكمه- مما قتل الله وتطعموننا ما قتلتم أنتم؟! فما هو الأولى أن نأكله ونطعمه الذي قتله الله من الميتة، أو الموقوذة، أو المنخنقة، أو المتردية, أو الذي قتلتم أنتم؟ إن قياس المذكاة على الميتة قياس باطل من وجوه كثيرة, وسنرد على هذه الشبهة وعلى أقيسة أهل الضلال؛ لأن أهل الضلال موجودون في كل عصر كأهل البدع والضلالات، فهم يعتمدون على شبه وتلبيسات إبليس كما قال تعالى: {وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ} [الأنعام:121]، بشبههم يخلطون بين الحق والباطل؛ ليزينوا الباطل للناس, ويلبسون بقولهم: أنتم تقولون/ إن ذبحكم أولى من ذبح الله جل في علاه, وإن قتلكم أولى من قتل الله جل في علاه, فقاسوا المنخنقة والمتريدة على المذبوحة المذكاة, وهذا قياس فاسد الاعتبار من عدة وجوه: الوجه الأول: أنه قياس صادم النص, والله جل وعلا يقول: {أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ) [الأعراف:54]، فالدين: هو ما شرعه الله جل في علاه ويقول الله: {قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ} [البقرة:140].

الوجه الثاني: أن الميتة التي قدر الله موتها ينجس دمها في عروقها، وإذا حبس الدم أصبحت نجسة منتنة, وكذلك لحمها ينتن ويحدث فيه الأضرار التي لا يعلمها إلا الله جل في علاه, ولكن المذكاة بإراقة الدماء لا تحبس الدماء فيها فلا تحدث فيها هذه الأضرار.

الوجه الثالث: أن هذه الميتة وإن قتلها الله جل في علاه فقد منعها، وأما المذكاة فقد أباحها الله تعالى.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015