القياس الفاسد شبهة الكفار لإنكار الرسل

إن أهل الكفر قاطبة ردوا الرسل بالقياس الباطل, قالوا: {مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ} [المؤمنون:24]، وقالوا: {إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا} [الإسراء:47]، وأيضاً قالوا: {إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا} [إبراهيم:10]، وقالوا: {أَُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنَا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ} [القمر:25]، فوقعوا في القياس الباطل كما فعل إمامهم وقدوتهم إبليس، فقالوا: كيف يبعث الله بشراً يأتيه الوحي وهو مثلنا! إذاً: فنحن لابد أن يأتينا الوحي كما يأتيه الوحي, فهذا القياس الباطل الذي قاسوه أدى بهم إلى أن قاسوا الرسل على أنفسهم, ونحن نقول: إن هذا باطل من وجوه: أولاً: أن هذا قياس فاسد الاعتبار؛ لأنهم بهذا القياس ردوا أمر الله جل في علاه وشرعه، والله يقول: ((وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [البقرة:216] , ويقول: {أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ} [البقرة:140].

ثانياً: لو دققنا النظر فإننا نجد أن العقل الصحيح يرضى بذلك, ويقرر أن الرسل ليسوا كالبشر وهم كالبشر, كيف ذلك؟ نعم هم كالبشر يأكلون ويعتريهم ما يعتري البشر من نسيان وتعب وإعياء وإرهاق، فهم كالبشر في هذا, لكنهم ليسوا كالبشر في السمو البشري وفي الخُلُق, فإن الله جل في علاه لما ابتعث واصطفى من البشر رسلاً جعلهم أشرف الناس نسباً, وأحسن الناس خُلُقاً, وأتم الناس وأكملهم خَلْقاً, وجعل فيهم الصبر والحلم والعزة والغنى, وجعل فيهم القوة, والقدرة, وجعل فيهم الإخلاص لله جل في علاه, فهم أخلص البشر على الإطلاق لنشر دين الله جل في علاه, ولذلك كان الفرق بينهم وبين عامة البشر كما بين السماء والأرض, فلا قياس هنا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم إذا رأيته وقسته بجميع البشر فلن تجد أحداً يدانيه, فهو رسول الله، وهو أكمل البشر خُلُقاً وخَلْقاً ونسباً، وهو أعبد الناس لله جل في علاه, وأذلهم الله جل في علاه, وأخلصهم الله جل في علاه, وأصبر الناس على ما يحصل له بسبب نشر دعوة الله جل في علاه.

فهذا القياس الباطل الفاسد هو الذي ردهم عن دين الله جل في علاه, ولم يرضوا بالرسل؛ لأنهم من البشر, وهذا القياس الفاسد أوقعهم في الشرك.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015