أما الأحاديث فكثيرة جداً، ويظهر منها جلياً تطبيق الصحابة والتابعين والفقهاء الأربعة وأصحابهم لهذه القضية العظيمة الجليلة، وهي: أن محض الإيمان هو محض الاتباع للنبي صلى الله عليه وسلم، ففي مسند أحمد عن العرباض بن سارية قال: (وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة بليغة ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب، فقلنا: يا رسول الله! كأنها موعظة مودع فأوصنا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: عليكم بالسمع والطاعة وإن تأمر عليكم عبد حبشي -ثم قال صلى الله عليه وسلم-: فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتي)، فكأن سائلاً يسأل: وماذا نفعل يا رسول الله! إذا وجدنا هذا الاختلاف الكثير، فقال صلى الله عليه وسلم: (فعليكم بسنتي، وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور)، إلى آخر الحديث.
والشاهد قوله صلى الله عليه وسلم: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور).
وعن النبي صلى الله عليه وسلم كما عند ابن أبي عاصم والمستدرك للحاكم بسند صحيح: (تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي: كتاب الله وسنتي)، والسنة هي من كتاب الله جل في علاه، وكثير من السلف كانوا يقولون: السنة قاضية على كتاب الله.
قال الله تعالى: {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ} [الأحزاب:34]، قال الشافعي: آيات الله الكتاب، وأما الحكمة فهي سنة النبي صلى الله عليه وسلم، ولذلك قال الله تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر:7]، قوله: (وما آتاكم الرسول) أي: من كتاب أو سنة، فهما وحيان من الله، فالكتاب لفظه من الله جل في علاه، والسنة معناها من الله ولفظها من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كل أمتي يدخل الجنة إلا من أبى، قالوا: يا رسول الله! ومن يأبى؟ قال: من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى)، فكيف يصبو امرؤ إلى سب وانتقاص من يتمسك بسنة النبي صلى الله عليه وسلم، ويهون من شأنها، ويقول: الدين قشر ولباب؟ إن ذلك تجاسُر وجرءة على سنة النبي صلى الله عليه وسلم، ولن ينجو العبد عند ربه إلا باتباع النبي صلى الله عليه وسلم، فقد أغلق الله كل باب إلا باب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: (فمن رغب عن سنتي فليس مني)، وهذا الحديث أشد ما يكون زجراً لهؤلاء، ففي يوم القيامة يرد الناس على حوض النبي صلى الله عليه وسلم، فمنهم من يذاد عن حوضه؛ لأنهم ليسوا من أمته، ثم يرد عليه أناس يعرفهم الرسول الله صلى الله عليه وسلم ليشربوا من حوضه، لكنهم يذادون أيضاً من بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم: فيقول: (أصحابي أصحابي، فيقال له: يا محمد! إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك)، أي: لم يأخذوا بسنتك، ولم يقتفوا أثرك، فيقول النبي صلى الله عليه وسلم زيادة في النكاية بهم: (سحقاً سحقاً بعداً بعداً لمن بدل بعدي)، نعوذ بالله أن نكون من هؤلاء.
ففي يوم القيامة يكون الكرب شديداً، فالشمس تقترب فيه مقدار ميل من الرءوس، ويحتاج المرء فيه إلى شربة ماء تروي ظمأه، وعندما يأخذ الإناء ليشرب يقال له: (سحقاً سحقاً بعداً بعداً لمن بدل بعدي).