{فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء:65].
وقال الله مادحاً إبراهيم: {إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [البقرة:131]، ما من صاحب علم وحكمه تأتيه المسألة أو يعن له الخلاف ثم يقال له: قال فيها رسول الله كذا.
إلا قال: سمعت وأطعت وسلمت لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا مناط تمحيص الإيمان في قلب العبد {وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء:65]، ولا يجد في نفسه جرجاً، ولا يجد من نفسه إلا الانقياد والاستسلام، هذا هو الذي آمن إيماناً كاملاً بالله وبرسوله صلى الله عليه وسلم.
وأيضاً قال الله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب:36]، فلا اختيار مع أمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، فإن جاءك الأمر من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فما لك إلا أن تقول: سمعت وأطعت، ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (لا ألفين أحدكم على أريكته شبعان يأتيه الأمر من أمري فيقول: نعرضه على كتاب الله، فإن وجدناه فيه أخذنا به، وإلا لم نأخذ به، ألا وإن ما أحل رسول الله كما أحل الله، وما حرم رسول الله كما حرم الله).
وقال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} [النساء:59]، فجعل الحسْن كل الحسْن أن ترد المتنازع فيه لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم، {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ} [الشورى:10]، فهذه الآيات المتضافرة تبين أن مناط محبة الله جل في علاه هو اتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبالتالي فإن كمال الإيمان بل وأصله هو اتباع المرء لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما المتهمين للمتمسكين بالسنن ويسمونهم بالتشدد والتطرف؛ بسبب التزامهم بتقصير الثوب، أو بالمحافظة على السواك، فيقال لهم: هذه هي سنة النبي صلى الله عليه وسلم، ولا غرو ولا عجب أن يتمسك المسلم بها، وقد أناط الله الإيمان بالتمسك بهذه السنن.