من قال: بأن الاحتفال بالمولد النبوي مثلاً فيه بركات, وهذا زمن مبارك لا بد أن نتبرك بالاجتماع فيه، وإظهار السرور، وتوزيع الطعام، والاحتفال فيه؛ لأنه زمن مبارك على الله وعلى رسوله.
أو يقول مثلاً: ليلة النصف من شعبان ليلة مباركة، فنفعل فيها كذا وكذا, أو الأعياد المخترعة: كعيد الحب، وعيد الشجرة, فكل هذا لا يصح؛ لأن الله جل في علاه لم يذكر في كتابه أن هذه الأيام أيام مباركات, فيتبرك بها المرء.
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ترك طائراً يقلب جناحيه في السماء إلا وأخبرنا خبره، ولم يقصر في البلاغ؛ والله جل في علاه يقول: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} [المائدة:67] فلو كانت هذه الأزمنة من المولد النبوي أو ليلة الإسراء والمعراج أو ليلة بدر أو غيرها أزمنة مباركة تتنزل فيها البركات لبينها النبي صلى الله عليه وسلم، فلما لم يبين النبي صلى الله عليه وسلم أن هذه الأزمنة من الأزمنة المباركات, لزم من يقول ببركتها الآتي: أولاً: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قصر في البيان, وحاشاه صلى الله عليه وسلم، فقد شهد الله أنه بلغ وأتم البلاغ.
ثانياً: أنكم مفترون ومتقدمون بين يدي الله ورسوله، فلا نقبل قولكم.
إذاً: فهؤلاء قد افتروا على الله وعلى رسوله بأن ابتدعوا أزمنةً وقالوا: إن هذه الأزمنة تتنزل فيها البركات، وهذا من باب الشرك الأصغر لا الشرك الأكبر؛ لأنهم لم يعتقدوا في غير الله ولم يطلبوا البركة من غير الله جل في علاه, لكنهم اتخذوا سبباً لم يشرعه الله جل في علاه للبركة, وقد بينا أن البركة عبادة, والأصل في العبادات التوقيف.
وختاماً نقول: ليس معنى كلامنا أننا نغلق على الناس هذا الباب ونقول لهم: لا بركة في أي شيء، لا، فإن ديننا السمح وشريعتنا الغراء إذا أغلقت باباً فتحت أبواباً للناس، ففتحت أبواب الرجاء والخير للناس, فهناك التبرك المشروع, فإنا نرجو من الله جل في علاه أن يبارك لنا فيما رزقنا، وأن البركة أفضل بكثير من الكثرة.