هناك بعض الإشكالات نريد أن نبينها: الإشكال الأول: أن ابن عمر رضي الله عنه وأرضاه كان إذا ذهب إلى الحج سأل أين صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيتقصد المكان الذي صلى فيه النبي صلى الله عليه وسلم فيصلي فيه.
والإشكال الثاني: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه قبل الحجر؛ لأنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبله.
ويرد على استدلالهم بأثر ابن عمر من وجهين: الوجه الأول: أن نقول: أين الدليل على أن ابن عمر كان يفعل ذلك تبركاً؟ لا يوجد دليل.
الوجه الثاني: أن هذا له تخريج وتوجيه، وتوجيه ذلك أن ابن عمر كان رجلاً أثرياً يتتبع سنن النبي صلى الله عليه وسلم حذو القذة بالقذة، فينظر كيف كان ينام النبي صلى الله عليه وسلم فينام مثله، فقد طبق سنن العادات والعبادات، وما ترك شيئاً يفعله النبي صلى الله عليه وسلم إلا وكان يتقصده ويفعله، وذلك له نظائر كثيرة: منها: أن أنس رضي الله عنه وأرضاه كان لا يأكل الدباء، قال: (فجلست في مائدة يأكل فيها النبي صلى الله عليه وسلم، فكان يتتبع الدباء، فأحببت الدباء لما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتتبعه)، وكان يأكل الدباء تأسياً بالنبي صلى الله عليه وسلم حتى ولو كان ذلك من سنن العادات، وهناك قاعدة: أن سنن العادات بالنيات تنقلب إلى عبادات.
وكذلك أبو أيوب الأنصاري رضي الله عنه كان لا يأكل البصل مطبوخاً مع أن البصل إذا طبخ مات، كما قال عمر بن الخطاب: أميتوه بالطبخ، ومع ذلك كان أبو أيوب لا يأكله؛ عملاً بما رآه من أن النبي صلى الله عليه وسلم ما أكل البصل ولو كان مطبوخاً.
إذاً: فيكون الجواب الثاني: أن ابن عمر كان أكثر الناس تأسياً بسنة النبي صلى الله عليه وسلم.
وأما الجواب عن الإشكال الثاني: فـ عمر لم يقبل الحجر تبركاً بل عمر تبرك باتباعه للنبي صلى الله عليه وسلم، والدليل على ذلك أنه قال: (لولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك).
كذلك في هذا الفعل فائدتان تعود على المرء: الفائدة الأولى: أن النبي صلى الله عليه وسلم قد بيّن أن (الحجر الأسود يأتي يوم القيامة وله عينان ولسان يشهد لمن قبله أو استلمه).
الفائدة الثانية: أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن (استلام ركن اليماني يحط الخطايا)، فهذه هي الفائدة وليس ذلك من التبرك.
وأما مسألة الشجرة ذات الأنواط: فلا يجوز التبرك بالشجر، وهؤلاء المسلمون كانوا حدثاء عهد بالإسلام، والحديث يبين لنا ذلك، قال أبو واقد الليثي: (خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة حنين ونحن حديثو عهد بكفر فوجدوا قوماً يعلقون أسلحتهم بشجرة يسمونها ذات أنواط، ويعتقدون فيها البركة، فقالوا: يا رسول الله! اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط) وقولهم: (اجعل لنا) له عدة احتمالات: الاحتمال الأول: اجعل لنا ذات أنواط؛ أي: لأن هذه الشجرة ستمنحنا البركة، هذا احتمال، ولكن هل هذا مرفوض أم مقبول؟ مرفوض؛ لأنهم حدثاء عهد بإيمان، آمنوا بالله وعلموا أن الله جل وعلا هو الذي يملك النفع والضر، وما زال الله جل وعلا يزيح عنهم على لسان النبي صلى الله عليه وسلم الشرك بالأصنام.
الاحتمال الثاني: أنهم يجعلون ذات الأنواط ليطلبوا منها البركة، وهذا مرفوض؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم معهم وبين لهم أن السؤال لا يكون إلا لله جل في علاه.
الاحتمال الثالث: أنهم ما علقوا هذه السيوف إلا التماساً للبركة، كأن الله جل في علاه سيبارك لهم في سيوفهم أو في رحلتهم هذه عندما يعلقون السيوف على هذه الشجرة؛ ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الله أكبر! قلتم مثل ما قالت بنو إسرائيل لموسى: {اجْعَل لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ} [الأعراف:138]).
والراجح الصحيح في هذه القصة: أن هذا من الشرك الأصغر وليس من الشرك الأكبر؛ لأنهم لم يعتقدوا في ذات أنواط ولم يطلبوا منها البركة، لكن جعلوها وسيلة، فاتخذوا سبباً لم يشرعه الله فوقعوا في الشرك الأصغر؛ لأنه وسيلة إلى الشرك الأكبر، وغلظ لهم النبي صلى الله عليه وسلم القول لأنهم على شفير هلكة، فهم على أبواب الشرك الأكبر فحذرهم؛ لأن وسائل الشرك الأكبر تصل من الأصغر إلى الأكبر، والقاعدة عند العلماء: أن الوسائل لها أحكام المقاصد.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.