إن الصحابة رضوان الله عليهم قد حرصوا على هذه المسألة حرصاً شديداً، وتثبتوا فيها تثبتاً لا يعلمه إلا الله جل في علاه، ومما يبين لنا حرص السلف على جناب التوحيد وحفظه أنهم علموا أن التبرك عبادة، وأنه لا بد للإنسان ألا يتقدم بين يدي الله ورسوله، فحفظوا جناب التوحيد، ومنهم عمر بن الخطاب وأبو هريرة وغيرهم.
أما عمر بن الخطاب فكان يطوف بالكعبة ويقبل الحجر ويقول: (والله! إني لأعلم أنك حجر لا تنفع ولا تضر، ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك).
ثم أُخبر عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه بأن هناك أناساً يتقصدون المسجد الذي كان يصلي فيه النبي صلى الله عليه وسلم بين مكة وبين المدينة، فذهب وقال: أيها الناس! إنما أهلك من كان قبلكم اتباعهم لآثار أنبيائهم، واتخاذهم هذه الآثار مساجد.
ثم أُخبر مرة أخرى بعدما نصحهم هذه النصيحة الغالية بأن هناك أناساً يتقصدون شجرة بيعة الرضوان وهي بيعة الموت، فيصلون عندها يتبركون بها، فجاء عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه وأمر بقطع الشجرة؛ حفظاً لجناب التوحيد، وسداً لذريعة الشرك.
وهذا أبو هريرة رضي الله عنه وأرضاه قابل أبا بصرة الغفاري وقد رجع من الطور، فقال له: من أين أتيت؟ قال: من الطور، صليت هناك.
فقد رحل من المدينة إلى الطور ليصلي هناك، فقال له أبو هريرة مانعاً إياه: لو قابلتك ما ذهبت إلى هناك؛ فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى)، فهذه المساجد الثلاثة فيها بركة، وأما جبل الطور فلم يأتِ دليل على أنه مكان مبارك.