بعد بياننا هذه الأقوال فما حكم من قال ذلك؟
و صلى الله عليه وسلم أن الحكم يتفرع على التأصيل الذي أصلناه في أن الجاهلية كانوا على فرقتين في ذلك، إذاً فالحكم سيكون حكمين؛ لأن السب سبان: سب عن اعتقاد، وسب عن غير اعتقاد.
فالأول -هو السب عن اعتقاد- أن يعتقد أن الأيام والليالي هي التي تأتي بهذه النوائب، وهي التي تأتي بهذه الكوارث، فيسب الدهر بناء على هذا الاعتقاد، فيقول: بؤساً للدهر، وخيبة للدهر ما يأتينا إلا بالشر، وما نرى منه إلا البلايا والحوادث، فهذا السب نابع عن اعتقاد، وحكم هذا السب أنه كفر يخرج من الملة، وهو سوء أدب.
فإذا اعتقد في غير الله ما لا يعتقد إلا في الله فهذا كفر، فقد اعتقد هنا في الأيام والليالي أنها هي التي تتحكم في هذه الكوارث وهذه البلايا، وأنزل المخلوق منزلة الخالق، فهذا كفر.
فهم يقولون: غضب الطبيعة، ويعتقدون هذا، فالدهريون يقولون: {وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ} [الجاثية:24]، والشيوعيون يعتقدون هذا الاعتقاد فينسبون الأمر إلى الطبيعة؛ لأنهم لا يعتقدون أن هناك رباً يتحكم في الكون، ويميت ويحيي.
وأما الاعتقاد الثاني: فحكمه أنه كفر، وهو كفر أصغر ومحرم، لكن الصحيح الذي أدين الله به أن هذا شرك أصغر، فالسب للأيام والليالي مع الاعتقاد بأن الله هو الذي يقلب الأيام والليالي، وأن الله جل في علاه هو الذي ينزل البلايا، وهو الذي يرفع البلايا لكنه يسب ويقول: يوم نحس عندما رأيتك، ولما ولدت كان يوم بؤس علينا، فهذه الكلمات كلها شرك أصغر من شرك الألفاظ، ولو اعتقد فيها صارت كفراً أكبر، وإن لم يعتقد فهي شرك أصغر.
وأظهر نظير له في الشرع قول: ومحمد، وحياتك، ورحمة أمي، فهو يقسم ولا يعتقد أن أمه أو رحمة أمه، أو أن النبي صلى الله عليه وسلم يتحكم في الكون أو يعظمه كتعظيم الله جل في علاه، ومع ذلك فإن النبي صلى الله عليه وسلم وسمه بأنه مشرك فقال: (من حلف بغير الله فقد أشرك)، فهذا من شرك الألفاظ.
وأيضاً هو من باب الشرك الأصغر الذي هو وسيلة إلى الشرك الأكبر، فكلما نزلت به مصيبة سب الدهر، فيتدرج قلبه حتى يعتقد أن الدهر هو الذي يتحكم فيما يصل إليه أو يمتنع عنه.
إذاً فتحريم سب الأيام والليالي لا لكونها تشعر بذالك فتحزن منك، ولكن سب الأيام والليالي يلزم منه السب لمسببها وهو الله سبحانه.
فكأنه يريد أن يسب الذي قدر عليه هذا البلاء لكنه لا يستطيع ذلك فيسب الريح والأيام والليالي، ويلزم من ذلك السب لله، والسب لله الأصل فيه أنه شرك أو كفر أكبر يخرج من الملة، لكن قلنا هنا: إنه شرك أصغر؛ لأنه لم يسب الله مباشرة.