اختلف العلماء: فيما لو قلنا: لا يف به، هل يكفر عنه أم لا؟ اختلف العلماء في ذلك على قولين: القول الأول: وهو قول جماهير أهل العلم: أن الوفاء في المعصية لا يجوز؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه)، فالجماهير قالوا: لا كفارة عليه، لدلالة الأثر والنظر، فأما الأثر: (فقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً واقفاً نصفه في الشمس ونصفه في الظل وهو صامت لا يريد أن يتكلم، فنظر إليه النبي صلى الله عليه وسلم وقال: ما له؟ قالوا: يا رسول الله! نذر ألا يستظل، ويسكت ولا يتكلم، ويقوم ولا يقعد، ويصوم، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: مروه فليقعد وليتكلم، وليتمنّ صومه).
وجه الدلالة من الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم اندهش مما فعله أبو إسرائيل.
ويستدل الجمهور أيضاً على أنه لا كفارة فيه بحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من نذر أن يعصي الله فلا يعصه)، وقال: (لا نذر في معصية الله، ولا فيما لا يطيق ابن آدم).
ووجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكر الكفارة هنا في نذر المعصية.
وأيضًا استدلوا بحديث عقبة بن عامر رضي الله عنه وأرضاه: أن أخته نذرت أن تحج لله ماشية، فلما نذرت هذا النذر تعبت في وسط الطريق وما استطاعت، فذهب أخوها يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن أختي نذرت أن تحج ماشية، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله غني عن إهلاك هذه المرأة لنفسها، مرها فلتمش ولتركب).
وجه الدلالة أنه قال: مرها تمشي وتركب وما قال تكفر عن نذرها.
أما من النظر فقالوا: هذا اليمين أصالة لم ينعقد، فإذا قلنا بأن هذا اليمين لم ينعقد فتوابعه لم تنعقد؛ لأن لازمه أن يكفر وهو لم ينعقد أصلاً، فلا كفارة له، وهذا القول وجيه جداً.
القول الثاني وهو ما رجحه الحنابلة وبعض الشافعية: أن عليه كفارة يمين.
واستدلوا على ذلك بحديث في السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من نذر أن يعصي الله فلا يعصه، وكفارته كفارة يمين)، وهذا تصريح من النبي صلى الله عليه وسلم.
وهذان القولان من القوة بمكان، فعندنا دليل قولي من النبي صلى الله عليه وسلم، والدليل الثاني دليل تقريري، لكن الدليل التقريري فيه قوة؛ لأنه وقت بيان، وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز، ومن قال: بأن كفارة اليمين على الذي نذر نذر معصية على الاستحباب ما أبعد، وكان هذا من أوجه الأقوال؛ لأن القاعدة عند العلماء: أن الخروج من الخلاف مستحب، فكأن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: وعليه كفارة يمين استحباباً، احتياطاً لنفسه، لكن الصحيح والأفضل: أنه لا يكفر عن يمينه.