حتى لا يفتي واحدا منهما في حق جميع الخلق إلا بما هو الحكم عنده.
فأما الفقيه المقلد، إذا لم يكن له من الذكاء، والفطنة، وكمال القريحة، والفطرة، ما يميز به ما ذكرناه من الوجوه، فليس للفتوى إليه طريق، ولا له في أربابها فريق، فإذا تعرض للفتوى فقد تعرض لما لا ينبغي، ولعله من الجهال المشار إليهم بقول النبي، صلى الله عليه وسلم: " إن الله لا يقبض العلم من الناس انتزاعا، ولكنه يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالم، اتخذ الناس رؤسا جهالا، فسئلوا، فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا ".
هذا معنى ما وقع في المجلس المذكور، وفيه زيادة تكميل وبيان.
ما هي الأخطار لو منع المقلد، والمقلد غير الكفء، من الإفتاء؟
فلما سمعته الجماعة المذكورة، أنكرته إنكارا، واعتقد صاحبه حمارا، وزعم بعضهم أن هذا المذهب محال؛ لأن الأحكام ضرورية الوجود، في كل مَدَرَة، والإمام النظار لا يوجد البتة، أو يوجد قليلا جدا، لا يمكن أن يعم بفتواه جميع الأقطار للمذهب الواحد.
قال: وقد زعمت أن فتوى التقليد لا تجوز في مذهب مالك، وأن فتوى الثالث لا تجوز في مذهب أحد فالحاصل عن ذلك: أن أقطار مذهب مالك، رحمه الله، قد عمها ما لا ينبغي، واستولى عليها الباطل، لعلمنا أنه ليس فيها إمام نظار.
قال صاحب هذا الكلام الأول: هذه مغالطة بعد ظهور الحق؛ أن الله سبحانه لا يدع الخلق عبثا، ولا يجعل الحق خبثا، وما