زعمه مناقضة لنظريتيه بالنسبة لمجموعة أخرى من الروايات، وإضافة إلى ذلك فزعمه غير منطقي إذ لا يمكن تصور اختلاق روايات ذات عدد هائل ومتصلة بوقائع وتطورات متنوعة مع فروقها الواسعة في الأزمنة والأماكن والأشخاص.
ثالثا: يخطئ وانسبرة في قوله إن القرآن كان جاريا في روايات شفوية متفرقة. ومعنى هذا القول أن المسلمين كانوا يحفظونه بكامله في صدورهم، ولكن بالإضافة إلى ذلك كان القرآن متداولا أيضا في شكل كتاب كامل، وذلك منذ خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه.
رابعا: كما يخطئ في قوله إن القرآن جدلي إلى حد كبير وإن ترسيمه تم في بيئة تسودها معارضة يهودية قوية. إن القرآن ليس جدليا بل إنه ينتقد وينهى عن جميع أنواع الشرك والانحراف عن التوحيد، فيشجب الوثنية والمجوسية والصبئية عبادة النجوم والشمس والقمر وعبادة الأشجار والجبال، كما يدين التثليث وتأليه عيسى عليه السلام والاعتقادات اليهودية الخاطئة. وبما أن القرآن يرفض جميع هذه الأنواع من الضلالة، وليس فقط ضلالة اليهودية وقتذاك، ويشير إلى معارضة المشركين والمنافقين واليهود على السواء، فإنه جاء في بيئة تسري فيها هذه الضلالة، وهي بيئة سادت الجزيرة العربية في عصر النبي صلى الله عليه وسلم، لا في العصر العباسي. وإذا اعتبرنا معارضة اليهود فقط فهي حدثت في المدينة بعد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إليها، لا في العهد العباسي. وإن في القرآن نفسه لدلالات عديدة على معاصرتها للنبي صلى الله عليه وسلم. فهو لا يتحدث عن معارضته للمشركين والمنافقين واليهود والمعارك التي خاضها فحسب، بل يعاتبه أحيانا لانصرافه عن الأعمى