الاختلاف يفسر بعض معاني مقولة جولدتسيهر عن المحدثين وهي: "ومن السهل أن يفهم أن وجهات نظرهم النقدية ليست كوجهات النظر عندنا، التي تجد لها مجالاً كبيراً في النظر في تلك الأحاديث التي عدَّها النقد الإسلامي صحيحة غير مشكوك فيها، ووقف حيالها لا يحرك ساكناً" (?) ، وإن كان مقصود جولدتسيهر أوسع من هذا؛ فهو يقرر ضعف منهج نقد المتن عند المحدثين، وانصرافهم إلى نقد الأسانيد، وهي تهمة وجهها الدارسون من المستشرقين للحديث النبوي؛ لأنهم لم ينظروا إلى المنهج الإسلامي كاملاً، بل نظروا إليه من خلال منهج المحدثين وحده، وهو قصور كبير؛ لأن المحدثين يشبه عملهم عمل جامعي الوثائق وموثقيها، ويكمل عملهم الأصوليون والفقهاء، كما يكمل المؤرخون عمل الموثقين. ولكن يبقى أن الجهد الأكبر في تصحيح النص من قبل المحدثين انصبّ على الإسناد، وبدرجة أقل على المتون، وفي ذلك اختصار للجهد؛ لأن ما لا تثبت نسبته للرسول صلى الله عليه وسلم لا يستحق دراسة متأنية لمتنه تفسيراً واستنباطاً أو كشفاً عن النكارة والشذوذ، وعيوب المعنى الأخرى. ولكن المحدثين ـ والحق يقال ـ ميزوا بين النقد الشامل للسند والمتن، وبين نقد السند وحده، ففي الحالة الأخيرة قيدوا الحكم بالسند فقالوا: صحيح الإسناد. أما النقد الشامل فقالوا: حديث صحيح. كما أنهم ردوا أحاديث كثيرة ظاهر أسانيدها الصحة (?) ، ولكن معظم ما ردوه وَرَدَ بأسانيد واهية أو ضعيفة.