725 - وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَائِشٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (رَأَيْتُ رَبِّيَ عَزَّ وَجَلَّ فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ، قَالَ: فِيمَ يَخْتَصِمُ الْمَلَأُ الْأَعْلَى ; قُلْتُ: أَنْتَ أَعْلَمُ) ، قَالَ: فَوَضَعَ كَفَّهُ بَيْنَ كَتِفِيَّ فَوَجَدْتُ بَرْدَهَا بَيْنَ ثَدْيَيَّ، فَعَلِمْتُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَتَلَا: {وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ} [الأنعام: 75] » رَوَاهُ الدِّرَامِيُّ مُرْسَلًا، وَلِلتِّرْمِذِيِّ نَحْوُهُ عَنْهُ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
725 - (وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَائِشٍ) : بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ، كَذَا فِي الْمَفَاتِيحِ، وَفِي التَّقْرِيبِ بِمُثَنَّاةٍ تَحْتِيَّةٍ ثُمَّ مُعْجَمَةٍ الْحَضْرَمِيِّ، يُقَالُ: لَهُ صُحْبَةٌ وَيَعْنِي بِهِ أَنَّ أَصْلَهُ يَاءٌ، وَفِي الْمُشْتَبِهِ لِلذَّهَبِيِّ مُخْتَلَفٌ فِي صُحْبَتِهِ، لَهُ حَدِيثٌ فِي الرُّؤْيَةِ، وَفِي نُسْخَةٍ: عَابِسٌ بِعَيْنٍ مُهْمِلَةٍ وَكَسْرِ مُوَحَّدَةٍ وَسِينٍ مُهْمَلَةٍ كَذَا فِي الْمُغْنِي: قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: وَهَذَا الْحَدِيثُ مُرْسَلٌ ; لِأَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ يَرْوِيهِ، عَنْ مَالِكِ بْنِ يُخَامِرَ، عَنْ مُعَاذٍ، ( «قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (رَأَيْتُ رَبِّيَ عَزَّ وَجَلَّ فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ» ) : الظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مُسْتَنِدٌ إِلَى رُؤْيَا رَآهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَإِنَّهُ رَوَى الطَّبَرَانِيُّ بِإِسْنَادِهِ، عَنْ مَالِكِ بْنِ يُخَامِرَ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، قَالَ: «احْتُبِسَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَاةَ الْغَدْوَةِ، حَتَّى كَادَتِ الشَّمْسُ تَطَلُعُ، فَلَمَّا صَلَّى الْغَدْوَةَ قَالَ: (إِنِّي صَلَّيْتُ اللَّيْلَةَ مَا قَضَى رَبِّي وَوَضَعْتُ جَنَبِيَ فِي الْمَسْجِدِ فَأَتَانِي رَبِّي فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ» ) ، وَعَلَى هَذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ إِشْكَالٌ إِذِ الرَّائِي قَدْ يَرَى غَيْرَ الْمُتَشَكِّلِ مُتَشَكِّلًا، وَالْمُتَشَكِّلَ بِغَيْرِ شَكْلِهِ، ثُمَّ لَمْ يَعُدْ ذَلِكَ بِخَلَلٍ فِي الرُّؤْيَا وَلَا فِي خُلْدِ الرَّائِي، بَلْ لَهُ أَسْبَابٌ أُخَرُ تُذْكَرُ فِي عِلْمِ الْمَنَامِ، أَيِ: التَّعْبِيرِ، وَلَوْلَا تِلْكَ الْأَسْبَابُ لَمَا افْتَقَرَتْ رُؤْيَا الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ إِلَى تَعْبِيرٍ، وَإِنْ كَانَ فِي الْيَقَظَةِ وَعَلَيْهِ ظَاهِرُ مَا رَوَى أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، فَإِنَّهُ فِيهِ: ( «فَنَعَسْتُ فِي صَلَاتِي حَتَّى اسْتَيْقَظْتُ فَإِذَا أَنَا بِرَبِّي عَزَّ وَجَلَّ فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ» ) ، الْحَدِيثَ، فَذَهَبَ السَّلَفُ فِي أَمْثَالِ هَذَا الْحَدِيثِ إِذَا صَحَّ أَنْ يُؤْمَنَ بِظَاهِرِهِ، وَلَا يُفَسَّرَ بِمَا يُفَسَّرُ بِهِ صِفَاتُ الْخَلْقِ، بَلْ يُنْفَى عَنْهُ الْكَيْفِيَّةُ وَيُوكَلُ عِلْمُ بَاطِنِهِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، فَإِنَّهُ يُرِي رَسُولَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ وَرَاءِ أَسْتَارِ الْغَيْبِ مِمَّا لَا سَبِيلَ لِعُقُولِنَا إِلَى إِدْرَاكِهِ، لَكِنَّ تَرْكَ التَّأْوِيلِ فِي هَذَا الزَّمَانِ مَظِنَّةَ الْفِتْنَةِ فِي عَقَائِدِ النَّاسِ لِفُشُوِّ اعْتِقَادَاتِ الضَّلَالِ، وَإِنْ تَأَوَّلَ بِمَا يُوَافِقُ الشَّرْعَ عَلَى وَجْهِ الِاحْتِمَالِ لَا الْقَطْعِ حَتَّى لَا يُحْمَلَ عَلَى مَا لَا يَجُوزُ شَرْعًا فَلَهُ وَجْهٌ، فَقَوْلُهُ: فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ: رَأَيْتُ رَبِّيَ حَالَ كَوْنِي فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ وَصْفَةٍ مِنْ غَايَةِ إِنْعَامِهِ وَلُطْفِهِ عَلَيَّ، أَوْ حَالَ كَوْنِ الرَّبِّ فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ، وَصُورَةُ الشَّيْءِ مَا يَتَمَيَّزُ بِهِ عَنْ غَيْرِهِ، سَوَاءٌ كَانَ عَيْنَ ذَاتِهِ أَوْ جُزْئِهِ الْمُمَيِّزِ لَهُ عَنْ غَيْرِهِ أَوْ صِفَتِهِ الْمُمَيَّزَةِ، وَكَمَا يُطْلَقُ ذَلِكَ فِي الْجُثَّةِ يُطْلَقْ فِي الْمَعَانِي يُقَالُ: صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ كَذَا، وَصُورَةُ الْحَالِ كَذَا، فَصُورَتُهُ تَعَالَى - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - ذَاتُهُ الْمَخْصُوصَةُ الْمُنَزَّهَةُ عَنْ مُمَاثَلَةِ مَا عَدَاهُ مِنَ الْأَشْيَاءِ الْبَالِغَةِ إِلَى أَقْصَى مَرَاتِبِ الْكَمَالِ، أَوْ صِفَتُهُ الْمَخْصُوصَةُ بِهِ، أَيْ: كَانَ رَبِّي أَحْسَنَ إِكْرَامًا وَلُطْفًا مِنْ وَقْتٍ آخَرَ كَذَا نَقَلَهُ الطِّيبِيُّ وَالتُّورِبِشْتِيُّ، وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ رِوَايَةَ: حَتَّى اسْتَيْقَظْتُ تَصْحِيفٌ فَإِنَّ الْمَحْفُوظَ مِنْ رِوَايَةِ أَحْمَدَ وَالتِّرْمِذِيِّ كَمَا سَيَذْكُرُهُ الْمُصَنَّفُ حَتَّى اسْتَثْقَلْتُ اهـ.
وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ تِلْكَ الرِّوَايَةَ أَصَحُّ مِنْ هَذِهِ قَالَ بَعْضُهُمْ: وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى رَأَيْتُ: عَلِمْتُهُ وَعَرَفْتُهُ فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ، وَسَمِعْتُ شَيْخَنَا الشَّيْخَ عَطِيَّةَ السُّلَمِيَّ نَاقِلًا عَنْ شَيْخِهِ أَبِي الْحَسَنِ الْبَكْرِيِّ أَنَّ لِلَّهِ تَعَالَى تَجَلِّيَاتٍ صُورِيَّةً مَعَ تَنَزُّهِ ذَاتِهِ الْأَحَدِيَّةِ عَنِ الْمِثْلِيَّةِ، وَكَذَا يَنْدَفِعُ كَثِيرٌ مِنَ الْمُتَشَابِهَاتِ الْقُرْآنِيَّةِ وَالْحَدِيثِيَّةِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
(قَالَ) ، أَيْ: رَبِّي (فِيمَ) ، أَيْ: فِي أَيِّ شَيْءٍ (يَخْتَصِمُ) ، أَيْ: يَبْحَثُ (الْمَلَأُ) ، أَيِ: الْأَشْرَافُ الَّذِينَ يَمْلَئُونَ الْمَجَالِسَ وَالصُّدُورَ عَظَمَةً وَإِجْلَالَ (الْأَعْلَى؟) : يَعْنِي: الْمَلَائِكَةَ الْمُقَرَّبِينَ، وُصِفُوا بِذَلِكَ إِمَّا لِعُلُوِّ مَكَانِهِمْ وَإِمَّا لِعُلُوِّ مَكَانَتِهِمْ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى وَاخْتِصَامِهِمْ، عِبَارَةٌ عَنْ تُبَادُرِهِمْ إِلَى إِثْبَاتِ تِلْكَ الْأَعْمَالِ وَالصُّعُودِ بِهَا إِلَى السَّمَاءِ، وَإِمَّا عَنْ تُقَاوُلِهِمْ فِي فَضْلِهَا وَشَرَفِهَا، وَإِمَّا عَنِ اغْتِبَاطِهِمُ النَّاسَ بِتِلْكَ الْفَضَائِلِ لِاخْتِصَاصِهِمْ بِهَا وَشَبَّهَ تَقَاوُلَهُمْ فِي ذَلِكَ، وَمَا يَجْرِي بَيْنَهُمْ فِي السُّؤَالِ وَالْجَوَابِ بِمَا يَجْرِي بَيْنَ الْمُتَخَاصِمِينَ؛ إِيمَاءً إِلَى أَنْ {وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ} [المطففين: 26] وَفِي الْمَصَابِيحِ زِيَادَةُ - يَا مُحَمَّدُ - وَهُوَ زِيَادَةُ شَرَفٍ (قُلْتُ: أَنْتَ أَعْلَمُ) ، أَيْ: بِمَا ذُكِرَ وَغَيْرِهِ، وَزَادَ فِي الْمَصَابِيحِ: أَيْ رَبِّ، قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: وَإِنَّمَا نَادَى بِـ (أَيْ) ، دُونَ (يَا) ، أَدَبًا ; لِأَنَّ (يَا) ، يُنَادَى بِهِ الْعَبِيدُ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَقْرَبُ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ، وَأَمَّا مَا وَرَدَ مِنَ النِّدَاءِ بِـ (يَا) : فِي الدَّعَوَاتِ فَلِهَضْمِ النَّفْسِ وَاسْتِبْعَادِهِمْ عَنْ مَظَانِّ الْإِجَابَةِ، وَهُوَ اللَّائِقُ بِحَالِ الدُّعَاءِ، ثُمَّ فِي الْمَصَابِيحِ زِيَادَةُ - مَرَّتَيْنِ - قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ: فِيمَ يَخْتَصِمُ ; أَيْ جَرَى السُّؤَالُ مِنْ رَبِّهِ مَرَّتَيْنِ، وَالْجَوَابُ مِنْ مَرَّتَيْنِ (قَالَ) ، أَيِ: النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (فَوَضَعَ) ، أَيْ: رَبُّهُ (كَفَّهُ بَيْنَ كَتِفِيَّ) : بِتَشْدِيدِ