724 - «وَعَنْ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَتَئْذَنُ لَنَا فِي الِاخْتِصَاءِ؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (لَيْسَ مِنَّا مَنْ خَصَى وَلَا اخْتَصَى، إِنَّ خِصَاءَ أُمَّتِي الصِّيَامُ) ، فَقَالَ: ائْذَنْ لَنَا فِي السِّيَاحَةِ، فَقَالَ: (إِنْ سِيَاحَةَ أُمَّتَيِ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) ، فَقَالَ: ائْذَنْ لَنَا فِي التَّرَهُّبِ، فَقَالَ: (إِنَّ تَرَهُّبَ أُمَّتَيَ الْجُلُوسُ فِي الْمَسَاجِدِ انْتِظَارِ الصَّلَاةِ» ، رَوَاهُ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
724 - (وَعَنْ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ) : وَهُوَ أَخٌ رِضَاعِيٌّ لَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - (قَالَ) : حِينَ أَرْسَلَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الصُّفَّةِ لِيَسْتَأْذِنَ لَهُمْ فِي الِاخْتِصَاءِ ; لِأَنَّهُمْ يَشْتَهُونَ النِّسَاءَ وَلَا طُولَ لَهُمْ بِذَلِكَ (يَا رَسُولَ اللَّهِ! ائْذَنْ لَنَا فِي الِاخْتِصَاءِ) ، أَيْ: سَلِّ الْخُصْيَتَيْنِ لِتَزُولَ عَنَّا شَهْوَةُ النِّسَاءِ، إِذْ مِنْ شَأْنِهَا أَنَّهَا تُقْطَعُ عَنْ كُلِّ خَيْرٍ وَتَجْلِبُ كُلَّ مِحْنَةٍ وَضَيْرٍ، وَلِذَا قِيلَ: ضَاعَ الْعِلْمُ فِي أَفْخَاذِ النِّسَاءِ (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: (لَيْسَ مِنَّا) ، أَيْ: مِمَّنْ يَقْتَدِي بِسُنَّتِنَا وَيَهْتَدِي بِطَرِيقَتِنَا (مَنْ خَصَى) : بِفَتْحِ الصَّادِ، أَيْ: سَلَّ خُصْيَةَ غَيْرِهِ وَأَخْرَجَهَا (وَلَا اخْتَصَى) ، أَيْ: بِنَفْسِهِ بِحَذْفِ " مَنْ " لِدَلَالَةِ مَا قَبْلَهُ عَلَيْهِ يَعْنِي: وَلَا مَنْ سَلَّ خُصْيَةَ نَفْسِهِ، قِيلَ: وَاحْتِيجَ لِتَقْدِيرِ " مَنْ " لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا وَفِيهِ نَظَرٌ ; لِأَنَّ لَا الْمُؤَكِّدَةَ لِلنَّفْيِ تَنْفِي ذَلِكَ الْوَهْمَ وَفِيهِ نَظَرٌ، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَكُلٌّ مِنْ هَذَيْنِ حَرَامٌ وَفِي مَعْنَاهُ إِطْعَامُ دَوَاءٍ لِغَيْرِهِ أَوْ أَكْلُهُ إِنْ كَانَ يَقْطَعُ الشَّهْوَةَ وَالنَّسْلَ دَائِمًا، وَكَذَا نَادِرًا إِنْ أَطْعَمَ غَيْرَهُ بِغَيْرِ إِذْنِهِ ( «إِنَّ خِصَاءَ أُمَّتِي الصِّيَامُ» ) : فَإِنَّهُ يَكْسِرُ الشَّهْوَةَ وَضَرَرَهَا كَمَا أَفَادَهُ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: ( «يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ» (، أَيْ: قَاطِعٌ لِلشَّهْوَةِ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ سَلَامَةِ النَّفْسِ مِنَ التَّعْذِيبِ وَقَطْعِ النَّسْلِ، وَمِنْ حُصُولِ الثَّوَابِ بِالصِّيَامِ الْمُقْتَضِي لِرِيَاضَةِ النَّفْسِ الْمُؤَدِّيَةِ إِلَى طَاعَتِهَا لِأَمْرِ مَوْلَاهَا، (فَقَالَ) : أَيْ: عُثْمَانُ (ائْذَنْ لَنَا فِي السِّيَاحَةِ) ، قَالَ الطِّيبِيُّ: السِّيَاحَةُ مُفَارَقَةُ الْأَمْصَارِ، وَالذَّهَابُ فِي الْأَرْضِ كَفِعْلِ عُبَّادِ بَنِي إِسْرَائِيلَ اهـ، فَلَا يُنَافِي سِيَاحَةَ السَّادَةِ الصُّوفِيَّةِ لِرُؤْيَةِ الْمَشَايِخِ وَتَحْصِيلِ الْعُلُومِ وَالْمَعَارِفِ، وَلِحُصُولِ الْخُمُولِ وَغَيْرِهَا مِنَ الْمَقَاصِدِ الْمَرْضِيَّةِ فِي الشَّرِيعَةِ الْمُصْطَفَوِيَّةِ، (قَالَ) : وَفِي نُسْخَةٍ: فَقَالَ ( «إِنَّ سِيَاحَةَ أُمَّتَيِ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» ) : وَهُوَ أَفْضَلُ فَإِنَّهُ عِبَادَةٌ شَاقَّةٌ عَلَى النَّفْسِ وَنَفْعُهُ مُتَعَدٍّ إِلَى الْغَيْرِ، وَهُوَ يَشْمَلُ الْجِهَادَ الْأَصْغَرَ وَالْأَكْبَرَ (قَالَ ائْذَنْ لَنَا فِي التَّرَهُّبِ) ، أَيْ: فِي التَّعَبُّدِ وَإِرَادَةِ الْعُزْلَةِ وَالْفِرَارِ مِنَ النَّاسِ إِلَى رُءُوسِ الْجِبَالِ كَالرُّهْبَانِ، وَأَصْلُ التَّرَهُّبِ مِنَ الرَّهْبِ بِمَعْنَى الْخَوْفِ كَانُوا يَتَرَهَّبُونَ بِالتَّخَلِّي مِنْ أَشْغَالِ الدُّنْيَا، حَتَّى إِنَّ مِنْهُمْ مَنْ خَصَى نَفْسَهُ ; وَوَضَعَ السِّلْسِةَ فِي عُنُقِهِ وَغَيْرَ ذَلِكَ، (فَقَالَ: «إِنَّ تَرَهُّبَ أُمَّتَيِ الْجُلُوسُ فِي الْمَسَاجِدِ انْتِظَارِ الصَّلَاةِ» ) بِالْإِضَافَةِ وَنَصْبُهُ بِأَنَّهُ مَفْعُولٌ لَهُ لِلْجُلُوسِ) ، أَيْ: لِانْتِظَارِ الصَّلَاةِ فَإِنَّ الْجُلُوسَ فِي الْمَسْجِدِ يَتَضَمَّنُ فَوَائِدَ التَّرَهُّبِ مَعَ زِيَادَةِ الْفَضَائِلِ، (رَوَاهُ) ، أَيِ: الْبَغَوِيُّ (فِي شَرْحِ السُّنَّةِ) : بِسَنَدِهِ الْمُتَّصِلِ مِنْ حَدِيثِ سَعْدِ بْنِ مَسْعُودٍ الصَّحَابِيِّ، «أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ مَظْعُونٍ أَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ائْذَنْ لَنَا فِي الِاخْتِصَاءِ» ، وَسَاقَهُ بِسَنَدٍ فِيهِ مُقَالٌ، قَالَهُ مِيرَكُ.