الْيَاءِ، وَهُوَ كِنَايَةٌ عَنْ تَخْصِيصِهِ إِيَّاهُ بِمَزِيدِ الْفَضْلِ عَلَيْهِ وَإِيصَالِ الْفَيْضِ إِلَيْهِ، فَإِنَّ مِنْ شَأْنِ الْمُتَلَطِّفِ بِمَنْ يَحْنُو عَلَيْهِ أَنْ يَضَعَ كَفَّهُ بَيْنَ كَتِفَيْهِ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّهُ يُرِيدُ بِذَلِكَ تَكْرِيمَهُ وَتَأْيِيدَهُ، (فَوَجَدْتُ بَرْدَهَا) ، أَيْ: رَاحَةَ الْكَفِّ يَعْنِي: رَاحَةَ لُطْفِهِ (بَيْنَ ثَدْيَيَّ) : بِالتَّثْنِيَةِ، أَيْ: قَلْبِي أَوْ صَدْرِي، وَهُوَ كِنَايَةٌ عَنْ وُصُولِ ذَلِكَ الْفَيْضِ إِلَى قَلْبِهِ وَنُزُولِ الرَّحْمَةِ، وَانْصِبَابِ الْعُلُومِ عَلَيْهِ وَتَأَثُّرِهِ عَنْهُ، وَرُسُوخِهِ، فِيهِ وَإِتْقَانِهِ لَهُ يُقَالُ: ثَلَجَ صَدْرُهُ وَأَصَابَهُ بَرَدُ الْيَقِينِ لِمَنْ تَيَقَّنَ الشَّيْءَ وَتَحَقَّقَهُ (فَعَلِمْتُ) ، أَيْ: بِسَبَبِ وُصُولِ ذَلِكَ الْفَيْضِ (مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) : يَعْنِي: مَا أَعْلَمَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِمَّا فِيهِمَا مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَالْأَشْجَارِ وَغَيْرِهِمَا، وَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ سَعَةِ عِلْمِهِ الَّذِي فَتَحَ اللَّهُ بِهِ عَلَيْهِ، وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: أَيْ جَمِيعَ الْكَائِنَاتِ الَّتِي فِي السَّمَاوَاتِ بَلْ وَمَا فَوْقَهَا، كَمَا يُسْتَفَادُ مِنْ قِصَّةِ الْمِعْرَاجِ، " وَالْأَرْضِ " هِيَ بِمَعْنَى الْجِنْسِ، أَيْ: وَجَمِيعَ مَا فِي الْأَرَضِينَ السَّبْعِ، بَلْ وَمَا تَحْتَهَا، كَمَا أَفَادَهُ إِخْبَارُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَنِ الثَّوْرِ وَالْحُوتِ اللَّذَيْنِ عَلَيْهِمَا الْأَرَضُونَ كُلُّهَا اهـ.

وَيُمْكِنُ أَنْ يُرَادَ بِالسَّمَاوَاتِ الْجِهَةُ الْعُلْيَا، وَبِالْأَرْضِ الْجِهَةُ السُّفْلَى، فَيَشْمَلُ الْجَمِيعَ لَكِنْ لَا بُدَّ مِنَ التَّقْيِيدِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ إِذْ لَا يَصِحُّ إِطْلَاقُ الْجَمِيعِ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ، (وَتَلَا) : قِيلَ: التَّالِي هُوَ اللَّهُ تَعَالَى (وَكَذَلِكَ) ، أَيْ: كَمَا نُرِيَكَ يَا مُحَمَّدُ أَحْكَامَ الدِّينِ وَعَجَائِبَ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ نُرِي إِبْرَاهِيمَ: مُضَارِعٌ فِي اللَّفْظِ، وَعَنَاهُ الْمَاضِي، وَالْعُدُولُ لِإِرَادَةِ حِكَايَةِ الْحَالِ الْمَاضِيَةِ اسْتِعْجَابًا وَاسْتِغْرَابًا، أَيْ: أَرَيْنَا إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ: وَهُوَ فَعَلُوتَ مِنَ الْمُلْكِ وَهُوَ أَعْظَمُهُ، وَهُوَ عَالَمُ الْمَعْقُولَاتِ، أَيِ: الرُّبُوبِيَّةِ وَالْأُلُوهِيَّةِ وَوَفَّقْنَاهُ لِمَعْرِفَتِهِمَا، وَقِيلَ التَّالِي هُوَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ الطِّيبِيِّ، ثُمَّ اسْتَشْهَدَ بِالْآيَةِ يَعْنِي: كَمَا أَنَّ اللَّهَ أَرَى إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَكَشَفَ لَهُ ذَلِكَ فَتَحَ عَلِيَّ أَبْوَابَ الْغَيْبِ، قِيلَ: الْخَلِيلُ رَأَى الْمَلَكُوتَ أَوَّلًا، ثُمَّ حَصَلَ لَهُ الْإِيقَانُ بِوُجُودِ مَنْشَئِهَا، وَالْحَبِيبُ رَأَى الْمُنْشِئَ ابْتِدَاءً ثُمَّ عَلِمَ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَبَيْنَهُمَا بَوْنٌ بَائِنٌ لِأَنَّهُ شَتَّانَ بَيْنَ مَنْ يُنْقَلُ مِنَ الْمُؤَثِّرِ إِلَى الْأَثَرِ وَعَكْسِهِ وَمِنْ ثَمَّ لَمَّا قَالَ بَعْضُ الْعَارِفِينَ: مَا رَأَيْتُ شَيْئًا إِلَّا وَرَأَيْتُ اللَّهَ بَعْدَهُ عَارَضَهُ عَارِفٌ آخَرُ، بِمَا هُوَ أَبْلَغُ مِنْهُ فَقَالَ: مَا رَأَيْتُ شَيْئًا إِلَّا وَرَأَيْتُ اللَّهَ قَبْلَهُ، {وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ} [الأنعام: 75] : عَطْفٌ عَلَى مُقَدَّرٍ أَيْ لِيَسْتَدِلَّ بِهِ عَلَيْنَا، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَيَصِحُّ أَنْ يَكُونَ عِلَّةً لِمَحْذُوفٍ، أَيْ: وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ فَعَلْنَا ذَلِكَ، وَالْجُمْلَةُ مَعْطُوفَةٌ عَلَى الْجُمْلَةِ قَبْلَهَا، (رَوَاهُ الدَّارِمِيُّ) : مُرْسَلًا كَمَا فِي نُسْخَةٍ، قَالَ مِيرَكُ: بَلْ مُعْضَلًا، فَإِنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ هَذَا مُخْتَلَفٌ فِي صُحْبَتِهِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَمْ يُدْرِكِ النَّبِيَّ مِنْهُ، بَلْ رَوَاهُ مَالِكُ بْنُ يُخَامِرَ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، كَمَا فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ وَهُوَ إِسْنَادٌ جَيِّدٌ، وَلَيْسَ لَهُ سِوَى هَذَا الْحَدِيثِ، (وَلِلتِّرْمِذِيِّ نَحْوُهُ) ، أَيْ: نَحْوُ هَذَا اللَّفْظِ، أَيْ: مَعْنَاهُ (عَنْهُ) ، أَيْ: عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015