(حدّثوا عن بني إسرائيل ولا حرج) قال الخطّابي: ليس معناه إباحة الكذب ولكن معناه الرّخصة في الحديث عنهم على معنى البلاغ وإن لم يتحقق صحّة ذلك بنقل الإسناد، وذلك لأنّه أمر قد يتعذّر في أخبارهم لبعد المسافة وطول المدّة ووقوع الفترة بين زماني النبوة، بخلاف الحديث عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - فإنّه لا يجوز إلّا بنقل الإسناد والتثبّت. و (لهذا) (?) زاد الدراوردي في هذا الحديث: "وحدّثوا عنّي ولا تكذبوا عليّ"، رواه الشافعي، ومعلوم أنّ الكذب على بني إسرائيل لا يجوز بحال، فإنّما أراد بقوله: "وحدّثوا عنّي ولا تكذبوا عليّ"، أي: تحرّزوا من الكذب عليّ بأن لا تحدّثوا عنّي إلّا بما يصحّ عندكم من جهة الإسناد الذي به يقع التحرّز عن الكذب عليّ. انتهى.

وقال في النّهاية: الحَرَج في الأصل الضيق، ويقع على الإثم والحَرام، وقيل الحرج أضيق الضيق، ومعنى "ولا حرج" أي: لا بأس ولا إثم عليكم أن تحدّثوا عنهم بما سمعتم وإن استحال أن يكون في هذه الأمة، مثل ما روي أنّ ثيابهم كانت تطول، وأنّ النار كانت تنزل من السماء فتأكل القربان وغير ذلك، لا أن تحدّثوا عنهم بالكذب، ويشهد لهذا التأويل ما جاء في بعض رواياته: "فإنّه كانت فيهم أعاجيب". وقيل: معناه أنّ الحديث عنهم إذا أدّيته على ما سمعته، حقًّا كان أو باطلًا، لم يكن عليك إثم لطول العهد بخلاف الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - لأنّه إنّما يكون بعد العلم بصّحة روايته وعدالة (روّاته) (?)، وقيل: معناه: أنّ الحديث عنهم ليس على الوجوب لأنّ قوله في أوّل الحديث في بعض طرقه: "بلّغوا عنّي"، على الوجوب، ثمّ أتبعه بهذا، أي: لا حرج عليكم إن لم تحدّثوا عنهم. انتهى.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015