كذلك، وبهذا الذي قّررناه ارتفع الإشكال من أصله، ويؤيّده من حيث المعنى أنّ الردّ لو أخذ بمعنى الحال أو الاستقبال لزم تكرّره عند تكرّر المسلِّمين وتكرّر الردّ يستلزم تكرّر المفارقة، وتكرّر المفارقة يلزم عليه محذورات، منها تألّم الجسد الشريف بتكرار خروج الروح منه، أو نوع ما من مخالفة التكريم إن لم يكن تأليم، ومنها مخالفة سائر الناس الشهداء وغيرهم، فإنّه لم يثبت لأحد منهم أنّه يتكرر له مفارقة الروح وعودها في البرزخ، والنبي - صلى الله عليه وسلم - أولى بالاستمرار الذي هو أعلى رتبة، ومنها مخالفة القرآن فإنّه دلّ على أنّه ليس إلا موتتان وحياتان، وهذا التكرار يستلزم موتات كثيرة وهو باطل، ومنها مخالفة الأحاديث المتواترة الدالّة على حياة الأنبياء، وما خالف القرآن والسنَّة المتواترة وجب تأويله وإن لم يقبل التأويل كان باطلًا. قال البيهقي في كتاب الاعتقاد: الأنبياء بعدما قبضوا ردّت إليهم أرواحهم فهم أحياء عند ربّهم كالشهداء. وقال الأستاذ أبو منصور (عبد القاهر بن طاهر) (?) البغدادي: قال المتكلّمون المحقّقون من أصحابنا إنّ نبيّنا - صلى الله عليه وسلم - حيّ بعد وفاته، وإنّه يبشر بطاعات أمّته، ويحزن بمعاصي العصاة منهم، وإنّه تبلغه صلاة من يصلّي عليه من أمّته.
وقال: إنّ الأنبياء لا يبلون، ورأى موسى في قبره يصلّي.
وقال الشيخ تقيّ الدين السبكي: حياة الأنبياء والشهداء في القبر كحياتهم في الدنيا، ويشهد له صلاة موسى في قبره، فإنّ الصلاة تستدعي جسدًا حيًّا ولا يلزم من كونها حياة حقيقيّة أن تكون (الأبدان) (?) معها كما كانت في الدنيا من الاحتياج إلى الطعام والشراب.
وبعد أن سطّرت هذا الجواب استنباطًا وقرّرته، رأيت هذا الحديث مخرّجًا في كتاب حياة الأنبياء للبيهقي بلفظ "إلا وقد ردّ الله عليّ روحي"، فصرّح فيه بلفظ "وقد"، فحمدت الله كثيرًا، وقوي أنّ رواية إسقاطها