قيل: اللّوم ساقط عنه من قبل موسى، إذ ليس لأحد أن يعيّر (?) أحدًا بذنب كان منه؛ لأنّ الخلق كلّهم تحت العبودية أكفاء سواء، وقد روي: "لا تنظروا إلى ذنوب العباد كأنّكم أرباب وانظروا إليها كأنّكم عبيد"، ولكنّ اللّوم لازم لآدم من قِبَل الله سبحانه إذ كان قد أمره ونهاه، فخرج إلى معصيته وباشر النهي عنه، ولله الحجة البالغة سبحانه لا شريك له.

وقول موسى عليه الصلاة والسلام: وإن كان منه في النّفوس شبهة، وفي ظاهره متعلّق لاحتجاجه بالسبب الذي قد جعل أمارة لخروجه من الجنة، فقول آدم في تعلقه بالسبب الذي هو بمنزلة الأصل أرجح وأقوى، والفلج قد يقع مع المعارضة بالترجيح، كما يقع بالبرهان الذي لا معارض له. انتهى.

وقال الشيخ عز الدِّين بن عبد السلام: في هذا الحديث إشكال؛ لأن القدر لا ينفي اللّوم عن المكلّفين، قال: والجواب أن لنا قاعدة وهي أن المذنب المرتكب للمحرّم ينهى ويوبّخ حالة تلبسه بالمحرّم، دفعًا للمفسدة، وكذلك بعد انقضاء فعله وقبل توبته دفعًا للمفاسد وما يتوقع منه من المحرّمات، لا لأجل ما مضى؛ لأنه لا يمكن رفعه بعد وقوعه، فلا معنى لمشروعية الزجر عنه في حقه، وأمّا بعد فعله وتوبته فلا معنى للتوبيخ لأجل الماضي لما تقرّر، ولا لأجل المستقبل لأن التائب يغلب على الظن أنّه لا يرتكب المحرّم؛ لأن الإنابة والخوف من الله عز وجل مانعان من ذلك فلا حاجة إلى التوبيخ، وآدم عليه السّلام (?) كان بهذه المثابة، فلا يحسن لومه وقد أخبر الله تعالى أنّه تاب عليه، وإنما عتب آدم على موسى لمخالفة هذه القاعدة، فكأنّه قد قال له: كان الأصل أن لا يلام على مقدر؛ لأن العبد مقهور فيه، لا سيما إذا اتّصف العبد بالتوبة، ولهذا أشار آدم بقوله: "قدّر علي". انتهى.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015