الناس أنَّ معنى القدر من الله والقضاء منه، معنى الإجبار والقهر على ما قضاه وقدره، ويتوهّم أن فلج آدم في الحجة على موسى إنما كان من هذا الوجه، وليس الأمر في ذلك على ما يتوهّمونه، وإنما معناه الإخبار عن تقدّم علم الله سبحانه بما يكون من أفعال العباد وأكسابهم، وصدورها عن تقدير منه، وخلق لها خيرها وشرّها، والقدر اسم لما صدر مقدّرًا عن فعل القادر، كما أن الهدم والقبض والنشر أسماء لما صدر (?) عن فعل الهادم والقابض والناشر، يقال قدرت الشيء وقدّرت خفيفة وثقيلة بمعنى واحد، والقضاء في هذا معناه الخلق كقوله تعالى: {فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ} أي خلقهن، وإذا كان كذلك، وقد بقي عليهم من وراء علم الله سبحانه فيهم أفعالهم وأكسابهم ومباشرتهم تلك الأمور، وملابستهم إيّاها عن قصد وتعمّد وتقديم إرادة واختيار، فالحجة إنما تلزمهم بها واللائمة تلحقهم عليها.

وجماع القول في هذا الباب: أنّهما أمران لا ينفك أحدهما عن الآخر؛ لأن أحدهما بمنزلة الأساس، والآخر بمنزلة البناء، فمن رام الفصل بينهما فقد رام هدم البناء ونقضه، وإنما كان موضع الحجة لآدم على موسى إذ كان قد علم من آدم أنه يتناول الشجرة ويأكل منها، فكيف يمكنه أن يردّ علم الله تعالى فيه وأن يبطله بضد ذلك.

وبيان هذا في قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً}، فأخبر قبل كون آدم أنّه إنما خلقه للأرض، وأنه لا يتركه في الجنّة حتى ينقله عنها إليها، وإنّما كان تناوله الشجرة سببًا لوقوعه إلى الأرض التي خلق لها, وليكون فيها خليفة وواليًا على من فيها. فإنَّما أدلى (- صلى الله عليه وسلم -) (?) بالحجّة على هذا المعنى، ودفع لائمة موسى عن نفسه على هذا الوجه، ولذلك قال: "أتلومني على أمر قدّره الله على قبل أن يخلقني". فإن قيل: فعلى هذا يجب أن يسقط القوم عنه أصلًا.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015