بأذان واحد وإقامتين،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قلت: مذهب الحنفية على ما ذكره أصحابهم أنه يعيد مغربًا أداه في الطريق أو عرفات ما لم يطلع الفجر، هذا قول أبي حنيفة ومحمد، وقال أبو يوسف يجزئه وقد أساء. واستدل لأبي يوسف بأنه أداها في وقتها فلا تجب إعادتها كما بعد طلوع الفجر إلا أن التأخير من السنة فيصير مسيئًا بتركه، واستدل لهما بحديث أسامة ((الصلاة أمامك)) معناه وقت الصلاة، قالوا: وبه يفهم وجوب التأخير، وإنما وجب ليمكنه الجمع بين الصلاتين بالمزدلفة فكان عليه الإعادة ما لم يطلع الفجر ليصير جامعًا بينهما، وإذا طلع الفجر لا يمكنه الجمع فتسقط الإعادة – انتهي. وقال الجمهور: معني قوله ((الصلاة أمامك)) أي موضع صلاة المغرب والعشاء أمامك وهو المزدلفة، وهو محمول عندهم على الأولوية (بأذان واحد وإقامتين) قال النووي: فيه أنه يصلي صلاة المغرب والعشاء في وقت العشاء بأذان للأولى وإقامتين لكل واحدة إقامة، وهذا هو الصحيح عند أصحابنا، وبه قال أحمد وأبو ثور وابن الماجشون المالكي والطحاوي الحنفي. وقال مالك: يؤذن ويقيم للأولي ويؤذن ويقيم أيضًا للثانية، وهو محكي عن ابن عمر وابن مسعود، وقال أبو حنيفة وأبو يوسف: بأذان واحد وإقامة واحدة، وللشافعي وأحمد قول أنه يصلي كل واحدة بإقامتها بلا أذان. وقال الثوري: يصليهما جميعًا بإقامة واحدة وهو يحكى أيضًا عن ابن عمر – انتهي. وقال الزبيدي في شرح الإحياء بعد ذكر حديث جابر الطويل عند مسلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى بالمزدلفة المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين ما نصه: وهو قول أحمد وأصح قولي الشافعي وغيرهما من العلماء، وبه قال زفر من أصحابنا واختاره الطحاوي، ورجحه ابن الهمام، واستدلوا بحديث جابر هذا. وقال أبو حنيفة: بأذان واحد وإقامة واحدة لما أخرج أبو داود من حديث أشعث بن أبي الشعثاء عن أبيه قال: أقلبت مع ابن عمر من عرفات إلى المزدلفة فأذن وأقام أو أمر إنساناً فأذن وأقام فصلى بنا المغرب ثلاث ركعات ثم التفت إلينا فقال: الصلاة، فصلى بنا العشاء ركعتين، فقيل له في ذلك، فقال: صليت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - هكذا. وأخرج الطبراني عن أبي أيوب الأنصاري أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جمع بين المغرب والعشاء بالمزدلفة بأذان واحد وإقامة واحدة، ثم ذكر الزبيدي ما رواه مسلم من حديث ابن عمر في الجمع بين الصلاتين بإقامة واحدة وما رواه أبو الشيخ من حديث ابن عباس كذلك. قال ابن الهمام: فقد علمت ما في هذا من التعارض فإن لم يرجع ما اتفق عليه الصحيحان على ما انفرد به مسلم وأبو داود حتى تساقطا، كان الرجوع إلى الأصل يوجب تعدد الإقامة بتعدد الصلاة كما في قضاء الفوائت بل أولى لأن الصلاة الثانية هنا وقتية، فإذا أقيم للأولى المتأخرة عن وقتها المعهود كانت الحاضرة أولى أن يقام لها بعدها. وقال مالك: بأذانين وإقامتين، واحتج بفعل ابن مسعود أخرجه أحمد والبخاري وابن أبي شيبة، ولفظ الأخير ((فلما أتي جمعًا أذن وأقام فصلى المغرب ثلاثاً ثم تعشى ثم أذن وأقام فصلى العشاء ركعتين)) ومنهم من قال: يجمع بينهما بإقامتين دون أذان واحتجوا بما رواه البخاري عن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى المغرب والعشاء بجمع، كل واحدة بإقامة ولم يسبح بينهما ولا على أثر كل