فصلى بها المغرب والعشاء،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
لأنهم يزدلفون إلى الله تعالى أي يتقربون إليه بالوقوف بها. وقيل لأن آدم أزلف إلى حواء بها أي دنا وقرب منها. والازدلاف الاقتراب والتقرب والزلفة والزلفى القربة. وقيل لاقترابهم فيها من منى، يقال ((له زلفى عند فلان)) أي قربى منه. وقال النووي: المزدلفة من التزلف والازدلاف وهو التقرب، لأن الحجاج إذا أفاضوا من عرفات ازدلفوا إليها أي مضوا إليها وتقربوا منها. وقيل: سميت بذلك لمجيء الناس إليها في زلف من الليل أي ساعات. قال: والمزدلفة كلها من الحرم، وحدها ما بين مازمي عرفة ووادي محسر، وليس هذان الحدان منها. ويدخل في المزدلفة جميع تلك الشعاب والجبال الداخلة في الحد المذكور. قال الشاه ولي الله الدهلوي: إنما دفع - صلى الله عليه وسلم - من عرفات بعد الغروب ردًا لتحريف الجاهلية، فإنهم كانوا لا يدفعون إلا قبل الغروب ولأن قبل الغروب غير مضبوط وبعد الغروب أمر مضبوط، وإنما يؤمر في مثل ذلك اليوم بالأمر المضبوط. قال: والسر في المبيت بمزدلفة أنه كان سنة قديمة فيهم، ولعلهم اصطلحوا عليها لما رأوا من أن للناس اجتماعًا لم يعهد مثله في غير هذا الموطن، ومثل هذا مظنة أن يزاحم بعضهم ويحطم بعضهم بعضًا. وإنما براحهم بعد المغرب وكانوا طول النهار في تعب يأتون من كل فج عميق فلو تجشموا أن يأتوا منى والحال هذه لتعبوا (فصلى بها المغرب والعشاء) أي جمع بينهما في وقت العشاء. قال: المحب الطبري: وهذا الجمع سنة بإجماع من العلماء، وإنما اختلفوا فيما لو صلى كل صلاة في وقتها فعند أكثر العلماء يجوز. وقال الثوري وأصحاب الرأي: إن صلى المغرب دون مزدلفة فعليه الإعادة، وجوزوا في الظهر والعصر أن يصلى كل صلاة في وقتها مع كراهية – انتهي. وقال الرافعي: لو انفرد بعضهم في الجمع بعرفة أو بمزدلفة أو صلى إحدى الصلاتين مع الإمام والأخرى وحده جاز. ويجوز أن يصلى المغرب بعرفة أو في الطريق، وقال أبو حنيفة: لا يجوز ويجب الجمع بمزدلفة – انتهي. وقال النووي: في الحديث أن السنة للدافع من عرفات أن يؤخر المغرب إلى وقت العشاء، ويكون هذا التأخير بنية الجمع ثم يجمع بينهما في المزدلفة في وقت العشاء وهذا مجمع عليه، لكن مذهب أبي حنيفة وطائفة أنه يجمع بسبب النسك، ويجوز لأهل مكة والمزدلفة ومنى وغيرهم. والصحيح عند أصحابنا أنه جمع بسبب السفر فلا يجوز إلا لمسافر سفرًا يبلغ به مسافة القصر، وللشافعي قول ضعيف أنه يجوز الجمع في كل سفر وإن كان قصيرًا، وقال بعض أصحابنا: هذا الجمع بسبب النسك كما قال أبو حنيفة. قال أصحابنا ولو جمع بينهما في وقت المغرب في أرض عرفات أو في الطريق أو في موضع آخر أو صلى كل واحدة في وقتها جاز جميع ذلك لكنه خلاف الأفضل، هذا مذهبنا وبه قال جماعات من الصحابة والتابعين، وقاله الأوزاعي وأبو يوسف وأشهب وفقهاء أصحاب الحديث. وقال أبو حنيفة وغيره من الكوفيين: يشترط أن يصليهما بالمزدلفة ولا يجوز قبلها. وقال مالك: لا يجوز أن يصليهما قبل المزدلفة إلا من به أو بدابته عذر فله أن يصليهما قبل المزدلفة بشرط كونه بعد مغيب الشفق – انتهي.