عن فرسي، وربطتُها، وشَهَرَتْ سيفي، فلمَّا رآني الأسد حَمَلَ عليَّ، فضربتُه بالسَّيف على رأسه، فقتَلتُه، ثم قطعتُ رأسه، وتركتُه في مخلاة وعدتُ إلى شَيزر، فألقيتُ الرأس بين يدي والدتي، وحدَّثتُها الحديث، فقالت: يا بنيَّ، تجهَّز للخروج من شَيزر، فوالله لا يمكِّنك عَمُّك من المقام فيها، ولا لأحدٍ من إخوتك وأنتم على هذه الحال من الإقدام والجُرْأة. وبلغ عَمِّي، فأمر من الغد بإخراجنا كلِّنا، فتفرَّقْنا في البلاد، وقَصَدْنا نورَ الدين (?) لينجدنا على عَمِّنا، فلم يمكنه قصده خوفًا أن يسلِّم الحِصن إلى الفرنج.

ثم توفي سُلطان وولي أولاده، فكاتبوا الفرنج، وبلغ نور الدين، فازداد عليهم حنقًا، واتفق مجيء الزَّلازل، فهدمت الحصن، وهَرَبَ أولاد عَمِّي سُلْطان، فجاء نور الدِّين، فوقف عليها وعمرها أحصن ما كانت، وهي مدينة حصينةٌ على حَجَرٍ عالٍ، وله طريقٌ منقور في الجبل في طرفه، وله جسر خشب، فإذا قُطع تَعذَّر الوصول إليه، والعاصي خندقه.

وقال العماد الكاتب: الأُمراء بنو منقذ الكنانيون ملوكُ شَيزر، أهل المجدِ والحَسَب، والفَضْلِ والأدب، والسَّماحة والفصاحة، والحماسة والحراسة، والإمارة والرِّياسة، اجتمعت فيهم أسباب السِّيادة، ولاحت من سيرتهم أسرار السَّعادة، وخلفوا المجدَ أولًا كآخر، وورثوا الفَضْلَ أصاغر عن أكابر، فأما الأدبُ فهم شموسُه المشرقة، ورياضُه المُوْنِقة، وحياضُه المُغدِقة، وأمّا النَّظْمُ فهم فُرْسان ميدانه، وشجعان فرسانه، وأرواح جُثْمانه، وما زالوا مالكي شَيْزر، معتصمين بحصانتها، ممتنعين بممانعتها حتى جاءت الزَّلزلة في سنة اثنتين وخمسين وخمس مئة، فخرَّبت حِصنها، وأذهبَتْ حُسْنها، وتملَّكها نورُ الدين، فأعاد بناءها، وهذَّب أبناءها، وتشعَّبوا شُعَبا، وتفرَّقوا تفرقَ أيدي سبا (?).

وحجَّ بالنَّاسِ من العراق قيماز.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015