وفي سنة إحدى وثمانين وأربع مئة ملك آق سُنْقُر حِمْص، وأقام إلى سنة سبع وثمانين، وأخذ فامية والرَّحْبة وغيرها، ثم قتله تُتُش على تل السُّلْطان.
ولما قُتِلَ لم يكن له من الأولاد إلا زَنْكي، وكان ابنَ عشرة سنين، فاجتمع إليه مماليكُ أبيه، وخَلَص كربوقا من الحبس بحِمْص (?)، فعبر الفرات، وأخذ حَرَّان والجزيرة والمَوْصِل من علي بن مُسْلم بن قُريش، وعَظُمَ شأنه، وكان في خدمة بَرْكْيارُوق، فاستدعى مماليك ابن قسيم الدَّولة وولده زنكي، وقال: أنا أحقُّ به وبكم. وأقطعهم الإقطاعات السَّنِيَّة، وأقامُوا عنده، ولم يزل زنكي في كَنَفِ كربوقا وتربيته إلى سنة أربعٍ وتسعين، [وفيها توفي] (?) كربوقا.
وملك المَوْصل بعده موسى التُّرْكماني، فلم تَطُلْ مُدَّتُه (?)، وقيل: ملك المَوْصل بعده شمسُ الدَّولة جكرمش مملوك ملك شاه، فقرَّب زنكي، وأحبَّه، واتَّخذه ولدًا لمكان أبيه، وقُتِل جكرمش سنةَ خمس مئة.
وملك المَوْصل بعده جاولي سقاوه، فاتَّصل به زَنْكي وقد كَبُرَ وظهرت عليه أمارات السَّعادة، ولم يزل معه حتى عصى جاولي على السُّلْطان محمد، وعَبَرَ إلى حلب ليأخذها من رضوان بن تُتُش، فأرسل السُّلْطان محمد إلى المَوْصل الأمير مودود، وأقطعه إيَّاها سنة اثنتين وخمس مئة، وفارق زَنْكي والأُمراء جاولي، وعادوا إلى المَوْصل.
واتصل زَنْكي بمودود، فأكرمه، وسار مودود إلى الشَّام بنية الغَزَاة ومعه زنكي، فظهر من شجاعته ونجابته ما استُدِلَّ به على عُلُوِّ هِمَّته، وقُتِلَ مودود في جامع دمشق وزَنْكي في صُحْبَته.