وكانت هذه القَلْعةُ من أُمَّهات القِلاع التي تمتنعُ على مَن رامها أشَدَّ امتناعٍ، وكانت تُبَثُّ الحبائِل (?) منها إلى سائر الجهات والأقطار، وترجعُ إليها نتائجُ الفسادِ رجوعَ الطَّيرِ إلى الأوكار، وهي في العِزَّة والمَنَعَة مثل مناطِ الشَّمسِ، التي تنالُ منها حاسَّةُ البَصر دون حاسَّةِ اللَّمسِ، وكأنها وهي في أعلى شاهقٍ، نَزَلَتْ على الجبل من حالقٍ، فنَسَفناها نَسفًا، وخَسَفْناها خَسفًا، وصَيَّرْنا سُفْلَها عُلْوًا، وعُلْوَها خِلْوًا، إذ لم يُفْلِتْ منها صاحِبٌ ولا مصحوب، إنَّ الشَّقاء على الأشْقَيَينِ مَصبوبٌ، وأمرنا بهَدْمها وتَعفيةِ أثرِها ورَدْمها، وأُسر ابنُ عَطَّاش رأسُ الجالوت، ووليُّ الطَّاغوت الذي كان من قومٍ قال الله فيهم: {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ} [القصص: 41] فجعلناه وولدَه عِبرةً للنُّظَّار، ولأُولي الأبصار {فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالمِينَ} [الأنعام: 45] على هذا الفَتْح المُبين، الذي هو غُزَةُ الدَّهْر على دوام السِّنين (?).

جعفر بن أحمد

ابن الحسين بن أحمد، أبو (?) محمَّد السَّرَّاج القارئ البغدادي (?).

ولد سنةَ ستّ عشرة وأربع مئة (?)، وقرأ القرآن بالرِّوايات، وأقرأ سنين، وسافر إلى الشَّام ومِصر، وسَمِعَ الحديث الكثير، وصنف المصنفات الحِسان، منها: [كتاب] (?) "مصارع العُشَّاق" (?)، وغيره. [وسمع بدمشق وطرابُلُس، وأخرج له الخطيب فوائد في خمسة أجزاء، وتكلَّم على الأحاديث] (6).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015