ومن أحسنها الخطبة المنامية:

قال عبد الرحيم: لمَّا عملتُ الخطبةَ المناميةَ، وخطبتُ بها يوم الجمعة، رأيتُ ليلة السبت في منامي كأني بظهر مَيَّافارقين عند الجبَّانة، وهناك جمع كبير، فقلتُ: ما هذا الجمع؟ فقال لي قائل: هذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومعه الصحابة، فقصدتُه لأُسَلِّم عليه، فلَّما دنوتُ منه التفتَ فرآني، فقال لي: [مرحبًا] (?) يا خطيب الخطباء، كيف تقول؟ وأومأ إلى القبور: كأنَّهم لم يكونوا للعيون قُرَّة، ولم يُعَدُّوا في الأحياء مرَّة. قال: فامتثلتُ أمرَهُ، وقلتُ الكلمات، ثم قلت: أسكتهم -واللهِ- الذي أنطقَهم، وأبادَهم الذي خلقَهم، وسَيُجِدُّهم كما أخْلَقَهم، ويجمعُهم كما فرَّقَهم، يوم يُعيد اللهُ العالمين خلقًا جديدًا، ويجعلُ الظالمين لنار جهنم وَقودًا، يوم تكونوا شُهداء على الناس، ويكونُ الرسولُ عليكم شهيدًا. وأومأتُ عند قولي: "شهداء على الناس" إلى الصحابة، وعند قولي: "شهيدًا" إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَينَهَا وَبَينَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ} [آل عمران: 30]. فقال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أحسنتَ أحسنتَ! ادْنُهْ. فدنوتُ منه، فأخذ وجهي فقبَّله، وتفَلَ في فِيَّ، وقال: وفَّقَكَ الله. فانتبهتُ من النوم، وبي من السرور ما يَجِلُّ عن الوصف، وأخبرتُ أهلي بما رأيتُ. قال أبو القاسم يحيى ولدُ ولدِ ولدِ الخطيب: بقِيَ الخطيب بعد هذا المنام ثلاثة أيام لا يطعم بطعام ولا يشتهيه، وتوجد من فيه رائحة المسك، ولم يعِشْ بعد ذلك إلا مدةً يسيرة، وكانت وفاته بمَيَّافارقِين عن تسع وثلاثين سنة.

ولولده أبي طاهر محمدٍ خطبٌ أيضًا.

[وفيها توفِّي]

محمد بن محمد

ابن مكي، أبو أحمد القاضي الجُرجاني، رحل في طلب العلم إلى البلاد، وطلب الحديث، ولقي الشيوخ، وكانت وفاته بأَرَّجان (?)، وكان حافظًا فاضلًا، [سمع بدمشق

طور بواسطة نورين ميديا © 2015