وفيها تُوفِّي
ابن البُهْلول بن حسَّان بن سِنان، أبو جعفر، التَّنُوخيّ (?).
ولد بالأنبار في المُحرَّم سنة إحدى وثلاثين ومئتين، وطلب الحديث، وسمع الكثير.
وكان عالمًا بالنحو، والعربية، والتفاسير، والسير، شاعرًا، فصيحًا، لَسِنًا، وَرِعًا، مُتَخَشِّيًا في القضاء، عظيمَ القدر، واسعَ الأدب، تامَّ المروءة، حسنَ المعرفة بمذهب أهل العراق.
ولي قضاء الأنبار، وهِيت، وطريق الفرات، والأهواز، ومدينة أبي جعفر، وقُطْرَبُّل، ومَسْكِن، فما زال على هذه الأعمال حتَّى صُرف عنها سنةَ سبع عشرة وثلاث مئة.
قال ولدُه محمَّد: كنتُ مع أبي في جنازةٍ، فأخذ يَعِظُ صاحبَ المُصيبة ويُسلِّيه، وينشدُه الأشعار، ويروي له الأخبار، وإلى جانبه أبو جعفر الطَّبري، فداخَلَه في ذلك، واتَّسع الأمرُ بينهما، وخرجا إلى فنونٍ من الآداب استَحْسَنها الحاضرون.
وافترقا، فقال لي أبي: يا بني، مَن هذا الشيخ الذي داخلَنا اليوم في المذاكرة؟ فقلتُ: هذا أبو جعفر الطبري، فقال: إنالله، ما أحسنتَ عِشْرَتي، هلَّا قلتَ لي حتَّى كنتُ أذاكرُه غيرَ تلك المُذاكرة؟ ! هذا رجلٌ مشهور بالحفظ والاتساع في صنوف العلم، ما ذاكرتُه بحسب ذلك.
ومضت مدةٌ، فحضرْنا في جنازة، فإذا بالطبري فيها، فأخبرتُه فجاء، فأومأ إليه أبي بالجلوس عنده، وأخذ يحادثُه، فكلَّما ذكر الطَّبرِيُّ أبياتًا من قصيدة تمَّمها أبي، وكلَّما ذُكر شيءٌ من العلوم والسير بَيَّنه أبي ويقول: هذا كان في وقت كذا وكذا، فما سكت أبي إلى الظُّهر، فبان للحاضرين تقصيرُ الطبري، فلمَّا قمنا قال أبي: الآن شفيت صدري.
وقال القاضي علي بن المُحَسِّن التنوخي: طلبت السيدةُ أمُّ المقتدر من القاضي أبي جعفر كتابَ وَقْفٍ لضيعة اشترتْها (?)، وأرادت تمزيقَ الكتاب وتَملُّكَ الوقف، فأرسلتْ