فيها في المحرم صرَفَ المقتدرُ ابنَي رائق عن الشرطة ببغداد، وقلَّدها أَبا بكر محمَّد بن يَاقوت.
وفي ربيع الآخر ظهر في الجوِّ أعمدةٌ بيضٌ في الآفاق كلِّها مع ريح هائلةٍ، وهبَّت ريح من المغرب في آذار، فحملت رملًا أحمر يُشبه رملَ الصَّاغة، امتلأت به أسواقُ بغداد ومنازلُهم، وقيل: إنَّه من جبل زَرُود من الهَبير بطريق مكة.
وفيها قبض المقتدرُ على الوزير أبي علي بن مُقْلَة، وكان متَّهمًا له، مستوحشًا منه، وخرج مؤنس إلى أَوانا مُتصيّدًا، وانحدر ابنُ مقلة إلى دار السلطان في جمادى الأولى، فاغتنم المقتدرُ غيبةَ مؤنس عن الحَضرة فقبض عليه.
وكان ابن ياقوت مُعاديًا له، فبعث إلى داره مَن أحرقها، وكانت بمكان يقال له: الزَّاهر شرقي بغداد، فلمَّا احترقت نَهبت العامةُ خشبَها ورصاصَها ورُخامَها وجميعَ ما فيها.
وكان ابن مُقْلَة قد أنفق عليها مئة أَلْف دينار غير ما أخذَه من أنقاض دور النَّاس وآلاتهم، وكان من عادته أن يُصادر النَّاس لمَّا كان كاتبًا قبل الوزارة، ويَنقُضَ دورَهم، ويبني بأنقاضها هذه الدار، فيأتي مَن يَحرقُها في الليل، واحترقت مرارًا، وكان يجلس عند الصُّنَّاع ويقرأ القرآن، وفي كُمِّه اسطرلاب يأخذُ به طالعَ الوقت.
فلما احترقَت مرَّ بها بعضُ شعراء العراق فكتب على حائطها: [من البسيط]
قُل لابن مُقْلَةَ [مَهْلًا] لا تكن عَجِلًا ... واصبر فإنَّك في أضغاثِ أحلامِ
تَبني بأنقاضِ دُورِ الناسِ مُجْتَهدًا ... دارًا ستُنْقَضُ قَهْرًا بعد أيامِ
وعادةُ الدَّهرِ فيها أن نُغادِرَها ... والنَّارُ تُضْرَم فيها أيَّ إضرام
ما زلتَ تختارُ سعدَ المُشْتري بَلَهًا ... فلم تُوَقَّ به من نَحْس بَهْرامِ