لما أناخوا قُبيلَ الصُّبح عِيسَهمُ ... ورَحَّلوها وثارَتْ بالهوى الإبِلُ

وأبرزَتْ من خلال السِّجْفِ (?) ناظرَهَا ... ترنو إليَّ ودمعُ العَين مُنْهَمِلُ

وودَّعت ببَنَان عَقْدُها عَنَمٌ (?) ... ناديتُ لا حَمَلَتْ رِجلاك يا جَمَلُ

وَيلي من البَيْن ماذا حلَّ بي وبهم ... من نازِلِ البَين حان البَينُ وارتَحلُوا

يا سائقَ العِيسِ قِفْ كيما أودِّعَهم ... يا زاجِرَ العِيسِ في تَرْحَالكَ الأَجَلُ

إنِّي على العَهْد لم أَنْقُض مودَّتَهم ... فلَيتَ شِعري وطال العَهْدُ ما فعلوا

ثمَّ قال: يا سيِّدي، ما فعلوا؟ [فقال من البعض الذين كانوا معي، وفي رواية] فقلنا ونحن نُمازحه: ماتوا، فقال: هيه بالله ماتوا؟ قلنا: نعم، فقال: وأنا أموت، قلنا: إن شئتَ، وظَننَّاه مازِحا، فتمطَّى، واستند إلى السَّارية التي كان مَشدودًا إليها، وجَذَب نَفْسه، فانْدَلَع لسانُه ومات، فما بَرِحْنا حتَّى واريناه، ونَدِمْنا على ما فعلنا وبكينا, ولم نزل [باكين] متحسّرين [نادمين] على ما بدا منَّا.

وحكى المبرِّد، عن [ابن] أبي كامل، [عن] إسحاق بن إبراهيم، عن رجاء بن عمرو النَّخَعي قال: كان بالكوفة (?) فتًى جميلُ الوجه، شديدُ التَّعبُّد والاجتهاد، وكان أحدَ الزُّهَّاد، فنزل في جِوارِ قومٍ من النَّخَع، فنظر إلى جاريةٍ منهنَّ جميلةٍ، فهويها، وهام بها عقلُه، ونزل بها مثلُ الذي نزل به، فأرسلَ يَخطُبها من أبيها، فأخبره أبوها أنَّها مسمَّاةٌ على ابن عمٍّ لها، فلمَّا اشتدَّ عليهما ما يُقاسيان من ألَم الهوى أرسلت إليه الجارية: قد بلغَني شدَّةُ محبَّتكَ لي، وقد اشتدّ بلائي بكَ، فإن شئت زُرني، وإن شئتَ زرتُك، فقال للرسول: ولا واحدة من هاتين الحالتين، {إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} [الأنعام: 15] فأبلغها الرسولُ ما قال، فقالت: أُراه زاهدًا يخاف الله، والله ما

طور بواسطة نورين ميديا © 2015