ينظر إلى وجه الآخر فيراه أحمر، وكذا الحيطان، فخرج النَّاس من منازلهم يَدعون ويَتضرَّعون إلى الله تعالى، ودامت من وقت العصر إلى الليل.
وفيها بعث عمرو بن اللَّيث الصَّفَار بألف ألف درهم لتُنفَق على طريق مكة مما يلي الكوفة والبصرة، وكانت الأمطار قد انقطعت من مكَّة ونواحيها، ففتح النَّاس باب الكعبة مِرارًا، واستَسْقوا ودعوا.
قال الطَّبري: وفي هذه السَّنة عزم المعتَضِد على لَعْنَةِ معاويةَ بنِ أبي سفيان على المنابر، فخوَّفه عبيد الله (?) الوزير اضطرابَ العامَّة والفتنةَ، فلم يلتفت إليه، وتقدَّم إلى العامَّة بلُزوم أعمالهم، وترك الاجتماع والمعصية (?)، ومنع القُصَّاصَ من القعود على الطَّريق، ومنع من اجتماع الحِلَق والجدال في الجوامع، وكتب المعتضد كتابًا في ذلك، وأجمع النَّاس يوم الجمعة على أنَّ الخطيب يقرأه فما قوي.
والكتاب من إنشاء عبيد الله الوزير، وكان نسخته بعد حمد الله تعالى والصَّلاة على نبيِّه محمد - صلى الله عليه وسلم -، إلى أن قال: وقد انتهى إلى أمير المؤمنين ما عليه جماعةٌ من العامَّة من شُبْهةٍ قد دخلتْهم في أديانهم، وفَسادٍ لَحِقَهم في عقائدهم، وعصبيَّةٍ قد غَلبتْ عليها أهواؤهم، وقطعت بها ألسنتهم على غير معرفةٍ ولا رويَّة، قلَّدوا فيها أئمَّة الضَّلالة بغير بيِّنة ولا بصيرة، وخالفوا السُّنَن المتَّبَعة، ومالوا إلى الأهواء المبتدعة، وقال الله تعالى: {فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [القصص: 50] خروجًا عن الجماعة، ومُسارعةً إلى الفتنة، وإيثارًا للفُرقة، وتَشتيتًا للكلمة، وإظهارًا لموالاة مَن قطع الله عنه الموالاة، وبَتَر منه العِصمة، وأخرجه من المِلَّة، وقد قال الله تعالى: {وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ} [الإسراء: 60] وإنَّما أراد بني أميَّة الملعونين على لسانِ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وفي كتاب الله.
وإنَّ أبا سفيان وبَنِيه وأهلَه لم يزالوا في المواطن كلِّها على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكانوا أشدَّ عداوةً له من جميع الكفَّار، ولم ترفع الكفَّار رايةً يوم بدرٍ وأُحُدٍ والخندق إلَّا وأبو سفيان وأشياعُه أصحابُها، ومُقَدَّموها، ورؤساؤها، وقادتُها.