وكان من عادته إذا رأى عبيد الله ترجَّل.
وسار عبيدُ الله إلى دار الخليفة، ثمَّ خرج غلامٌ فاستدعى الشيخَ، فدخل، فغاب ساعةً، وخرج وبيده ثلاثُ تواقيع، فعجبتُ منه، فلمَّا خرج عبيدُ الله سايرتُه، وسألته عن الشَّيخ فقال: دخلتُ على الخليفة وقد غلب عليَّ الغيظُ من رسالة الشَّيخ، فقال: دخلت على الخليفة فبعضُها يحرِّكني على مَساءته، وبعضُها يوقفني عنه، فقال لي الخليفةُ: قد مات عاملُ الخَراج على الثُّغور، فمن ترى أنْ نولِّي، فقلتُ: شيخًا على الباب يصلحُ إن قَبِلتَه، قال: فأَحضِرْه، فأحضرتُه، فلمَّا دخل عليه تأمَّله وقال: ما أحسنَ ما اخترتَ، قد قَبِلَتْه نفسي، قال: فقلتُ في نفسي: جاء والله معنى الرسالة، فكلَّم الخليفة فقال: والله يا أمير المؤمنين البطالةُ قد ضعَّفتْ حالي، فقال: توقّع له بألفِ دينار، وتكتب بأرزاق من يجيء معي، فقلتُ: نكتب بها، فقال: وتوقيعًا بالولاية، فكتب له بالجميع، قال عبيدُ الله: فلم أرَ في نفسي انحطاطًا ولا تذلُّلًا، وشكرًا لله تعالى وحدَه، فلم أرَ رجلًا استصغر مواردَ أمورِنا ومصادِرَها مثلَ الشَّيخ.
وقال أحمدُ بنُ إسرائيل: قال لي عبيدُ الله: قد فكَّرتُ في أمور الدُّنيا وصلاحها، ودُرور الأموال، وأَمْنِ السُّبُل، وعلمتُ أنَّ الدُّنيا أمكنُ وأنكرُ وأنكدُ من أن يدومَ صفاؤُها لأحد، فما مضتْ بعد ذلك أربعون ليلةً حتَّى قُتل المتوكِّل، ونُفي عبيدُ الله (?).
قال الصُّولي: ركب يومًا وهو وزيرٌ، فوقف له بعضُ الهاشميين، فأخذ بِلِجام فرسِه وقال له: يا زنديقُ، يا فاسقُ، يا كذَّابُ، فقال: أمَّا زنديق؛ فوالله ما كفرتُ بعد إسلامي، وأمَّا فاسق؛ ففي الحلال مندوحةٌ عن الحرام، وأمَّا كذَّاب؛ فوالله ما تعمَّدتُ الكذبَ ولا استَحْسَنتُه، خلِّ اللِّجامَ، فعجب النَّاسُ من حِلمه وعفوه (?).
ولمَّا دخلت الزَّنجُ البصرةَ في أيام المعتمد، أكثر الناسُ الضَّجيجَ على الوزير فملَّ وضَجِر، فقال: ذهبت البصرةُ فمَهْ! ؟ وسمعها النَّاس، فقال عمرو بن إبراهيم العدويُّ: [من المنسرح]