أنَّ الصوفيَّ [هو] الَّذي لا يطفئُ نورُ معرفته نورَ ورعه، ولا يتكلَّم فِي علمٍ باطنٍ ينقضُه عليه ظاهرُ الكتاب، ولا تحملُه الكراماتُ على هتك أستار المحرَّمات (?).
[قال: ] وقال لي رجلٌ: ادع لي، [فقال: ] جمعَ الله بيننا تحتَ شجرة طُوبى، فإنَّ أولَ ما يدخلُ المحبُّونَ الجنَّة يستريحونَ تحتها.
[قال: ] وتكلَّمَ يومًا فِي الصبر فدبَّت عقربٌ على رجله، وجعلت تضربُه [مرارًا]، وهو صابرٌ حتَّى سال دمه، فقيل له: لم لا تنحِّيها؟ فقال: إئي أستحي من الله أن أتكلَّم فِي الصبر ولا أصبر (?).
[قال: ] وقُرِئ بين يديه: {وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَينَكَ وَبَينَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا} [الإسراء: 45] فقال: هذا حجابُ الغيرة، ومعناه أنَّ الله لم يجعل الكفَّار أهلًا لمعرفته (?).
وقال الجنيد: دفعَ إليَّ سريٌّ رقعةً، وقال: هذه خيرٌ لك من الدنيا وما فيها، فقرأتُها وهو يقول: سمعتُ حاديًا يحدو فِي البادية يقول: [من الكامل]
أبكي وما يدريكَ ما يبكيني ... أبكي حذارًا أنْ تفارقينِي
وتقطعي حبلي وتهجريني ... وتجعلين الهجرَ منك دينِي (?)
قال: ودفع إليَّ رقعةً أخرى وقال: هذه خيرٌ لك من كذا وكذا، فقرأتُها فإذا فيها: [من الطويل]
ولمَّا ادَّعيتُ الحبَّ قالت كذبتَني ... فما لي أرى الأعضاءَ منك كواسيَا
فلا حبَّ حتَّى يلصقَ الجسمُ (?) بالحشا ... وتخرس (?) حتَّى ما تجيب المناديَا
وتتلفَ حتَّى لا يُبَقِّي لك الهوى ... سوى مُقلةٍ تبكي بها وتناجيَا