وقال البحتريُّ فِي المعتز وأوَّلُها:
يجانبنا فِي الحبِّ من لا نُجانِبُهْ ... ويبعدُ عنَّا فِي الهوى من نُقارِبُه
ألَا هل أتاهَا أنَّ مُظْلِمَةَ الدُّجى ... تجلَّتْ وأنَّ العيشَ سُهِّلَ جانبُهْ
وأنَّا رددنَا المستعارَ مذمَّمًا ... على أهلِه واستأنفَ الحقَّ صاحِبُهْ
عجبتُ لهذا الدهرِ أعيتْ صروفُه ... وما الدهرُ إلَّا صَرْفُه وعجائبُهْ
متى أمَّلَ المخلوع أن يصطفى له ... عُرَى التاجِ أو تُثنَى عليه عصائبُهْ
وكيف ادَّعى حقَّ الخلافةِ غاصبٌ ... حوى دونه إرثَ النبيِّ أقاربُهْ
بكى المنبرُ الشرقيُّ إذ خار فوقَه ... على الناس ثورٌ قد تدلَّت غباغِبُهْ
تخطَّى إلى الأمرِ الَّذي ليس أهلَهُ ... فطَورًا يناديه (?) وطورًا يواثبُهْ (?)
فكيف رأيتَ الحقَّ قرَّ قرارُه ... وكيف رأيتَ الظُّلمَ زالت (?) عواقبُهْ
ولم يكن المغتَرُّ بالله إذ سَرى ... ليعجِز والمعتزُّ بالله طالبُهْ
رمى بالقضيبِ عَنْوَةً وهو صاغرٌ ... وعُرِّيَ من بُرْدِ النبيِّ مناكبُهْ
وقد سرَّني أنْ قيلَ وُجِّهَ مسرعًا ... إلى الشرق تجري سُفْنُهُ ومراكِبُهْ
إلى كَسْكَرٍ خلف الدَّجاجِ ولم يكن ... لتُنْشِبَ إلَّا فِي الدجاجِ مخالبُهْ
فأُقسم بالوادي الحرام وما حوتْ ... أباطحُه من مُحْرِمٍ وأخاشبُهْ
لقد حملَ المعتزُّ أُمَّةَ أحمدٍ ... على سَنَنٍ يسري إلى الحقِّ لاحبُهْ
تداركَ دينَ الله من بعد ما عَفَتْ ... معالمُه فينا وغارتْ كواكبُهْ
وضَمَّ شعاعَ الملك حتَّى تجمَّعتْ ... مشارقُه موفورةً ومغاربه
ثم أرادَ المستعينُ أنْ يخرجَ إلى مكَّة، فمنع، وإلى البصرة، فقيل: هي حارَّة، فقال: أتراها أشد حرًّا من فقد الخلافة (?)، فاختارَ نزول واسط، فبعثَ معه المعتزُّ من يُسَلِّمُه إلى منصور بن نصر الخزاعيّ عامل المعتزِّ على واسط (?).