تنتصر لنفسك يكلك الله إليه.
فلمَّا دخلتُ على المتوكِّل سلَّمتُ عليه بالخلافة، فقال: ما تقول فيما قيل عنك؟ فسكتُ، وقال وزيره: هو عندي حقيقٌ بما (?) قيل فيه، وقال المتوكِّل: لم لا تتكلم؟ فقلت: يا أمير المؤمنين إن قلت: لا، كذَّبتُ المسلمين فيما قالوا: وإن قلت: نعم، كَذَبْتُ على نفسي، فقال المتوكل: هذا رجلٌ بريءٌ ممَّا قيل فيه، فقال: عظني عافاك الله، فوعظتُه بكلماتٍ يسيرة، ثم خرجتُ فمررتُ على العجوز وهي في الكوخ، فقلت: جزاك الله خيرًا، فقد امتثلتُ ما قلت لي، فمن أين لك هذا؟ قالت: من قصَّة الهدهد مع سليمان، ألا ترى إلى قوله تعالى: {أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ} [النمل: 22]، ولم يهبه، فقلت لها: ادعي لي، فقالت: يرجعكَ الله سالمًا (?).
وقال عمرو السراج (?): سألت ذا النون كيف [كان] خلاصُك من المتوكِّل؟ فقال: لما أوصلني الخادم إلى الستر رفعه، وإذا بالمتوكِّل في غِلالةٍ مكشوفَ الرأس، وعبيدُ الله قائمٌ على رأسه، متكئ على السيف، وعرفتُ في وجوه القوم الشرَّ [لي]، ففُتِحَ عليَّ بابٌ من الدعاء، فقام المتوكل، وخطا إلي خطواتٍ، ثم اعتنقني وقال: أتعبناكَ يا أبا الفيض، فإن شئت أقمتَ عندنا وإن شئت أن تنصرف، فاخترتُ الانصراف [، والله الحافظ] (?).
وقال أحمد بن مقاتل: لما قدم ذو النون بغداد بعد انفصاله من المتوكِّل، اجتمعَ عليه الصوفية ومعهم قوَّال، فأنشد: [من مجزوء الوافر]
صغيرُ هواكَ عذَّبني ... فكيف به إذا احتَنكا
أما تَرثي لمكتئبٍ ... إذا ضحكَ الخليُّ بكى
وأنت جمعت من قلبي ... هوىً قد كان مُشْتَرَكا
فقام ذو النون وتواجد، فسقط على وجهه، وخرج الدم من جبهتِه، فقام رجلٌ من