فيا نفسُ طيبي ثمَّ يا نفسُ فابشري ... فغيرُ بعيدٍ كلُّ ما هو آتِ
فبكى الرضا حتى رحمه الحاضرون، ثمَّ قام ودخل وأرسلَ إليَّ مع خادمه عشرةَ آلاف درهم من الدراهم المضروبة باسمه، فقلت: والله ما قصدتُ هذا، ولا لأجله مدحت، وإنَّما أريدُ ثوبًا من ثيابه يكون كفنًا لي، فعاد إليه بالمال، فردَّه إليَّ ومعه جبَّةٌ من جبَّاته، وقال: بحقِّ أهل البيت لا ترجع إلينا ما خرجَ منَّا، قال: وخرجتُ فقدمت، فنظروا إلى الجبَّة فعرفوها، فأعطوني فيها ثلاثين ألف درهم، فقلت: لا والله، ولا بالدنيا وما فيها، ثم خرجت من قم فاتبعوني، وقطعوا الطريق عليَّ، وأخذوا الجبَّة، فبكيت وقلت: يا قوم، لا تفعلوا، خذوا العشرة آلاف درهم ودعوا الجبَّة، فقالوا: لا بدَّ منها، وأعطوني خرقة منها، فقلت: هذه لأكفاني، وأعطوني ثلاثين ألف درهم، وقدمت العراق فاشتري مني العشرة آلاف بمئة ألف، كلُّ درهمٍ بعشرة.
وقال القاضي التنوخيُّ: لما بلغ المأمون الأبيات -وكان ساخطًا على دعبل- طلبَه من الرضا، فلمَّا حضر قال للرضا: قل له ينشدُ الأبياتَ، فأنشدها، فأمر له المأمونُ بخمسين ألفًا، ورضيَ عنه، فقال دعبل للرضا: يا سيدي، أريدُ أن تهبَ لي ثوبًا من ثيابك التي تلي بدنَك أتكفَّن فيه، فوهب له قميصًا قد ابتذله، وأمر له ذو الرياستين بصلة. قال دعبل: وحملَني على برذونٍ أصفر خراسانيّ، فقفَلتُ راجعًا إلى العراق، فقطعَ عليَّ الطريق لصوص، وأخذوا جميعَ ما كان معي، ومعهم جيشٌ من الأكراد، يقال لهم: المازنجان (?)، وأخذوا جميعَ ما كان معي وفي القافلة، فقعدتُ أبكي، ولم أتأسَّف إلَّا على القميص، ومرَّ بي بعضُهم على البرذون التي لي، ووقف قريبًا مني، وأنشد: مدارسُ آيات ... الأبيات، وجعلَ يبكي، فعجبتُ وقلت: يا سيدي، لمن هذه الأبيات؟ فقال: لدِعْبِل شاعر آل محمد، فقلت: أنا والله دِعْبل، وهذه قصيدتي، قال: ويحك ما تقول؟ ! فقلت: هو والله ما أقول وأنشدته إيَّاها، وقلت: سل القافلة، فقال: لا جرم والله لا يذهبُ لواحدٍ منكم عقال، ورَدُّوا جميعَ ما أخذوا (?)، فقلت: هذا مما أُكرِمتُ به في الدنيا ببركةِ آل محمد - صلى الله عليه وسلم -، وأرجو في الآخرة كذلك.