بين يديه، فقام الكلُّ إلا الرُّخَّجيّ، فعدل القاضي إلى آخر البساط، وطواه وجلس على بارية (?)، وحفَّ به شهوده، وجاء الخادمُ فجلسَ عند القاضي وأراه الكتاب، فلم يزل (?) الرُّخَّجيّ يخاطبُ القاضي، وبينهما مسافة حتى بلغا الأمر (?)، فقال الرُّخَّجيّ للقاضي: يا أبا جعفر، ما هذه الجبريَّة، ما تزال تتولَّع بي وتُقَدِّر أنَّك عند الخليفة مثلي، أو أنَّ محلَّك يوازي محلي، والخليفة لا يضربُ على يدي في أمواله التي بها قوام دولته، ولقد أخذتُ من أمواله ألفَ ألف دينار، وألفَ ألف دينار، وألف ألف دينار (?)، فما سألني عنها، وإنَّما أنت إليك أن تُحَلِّفَ مُنْكِرًا على حقّ، وأن تفرضَ لامرأةٍ على زوجِها، أو تحبسَ من أداء حقٍّ. وأبو جعفر يعدِّد ما ذكرَه الرُّخَّجيّ بيده، ويكشفُها ليراها الناس، فلمَّا سكتَ الرُّخَّجيّ قال القاضي لبعض الوكلاء: وقد سمعت ما جرى، وقد وكَّلتُك لأميرِ المؤمنين على هذا في مطالبته بما أقرَّ على نفسِه. فقال الوكيل: إن رأى القاضي أن يحكم بهذا المال ويكتب به سجلًا. قال: نعم، عليَّ بدواةٍ، وكتبَ السجلّ، وأثبتَه بشهادةِ الشهود، وحكم به عليه.
ونهض القاضي والكتابُ بيده، والرُّخَّجيّ يهزأُ به، والقاضي يقول: سوف ترى.
وكتب صاحبُ الخبر إلى المتوكِّل بما جرى، فأحضر وزيرَه وقال: أنا منذُ زمانٍ أقول لك حاسب هذا الخائن الرُّخَّجيَّ، وأنت تدافعُ، حتى حفظ الله علينا أموالنا بقاضينا محمد بن منصور، ورَمى إليه بكتابِ صاحب الخبر، ثمَّ قال له: اكتب الساعةَ بالقبضِ على الرُخَّجيّ.
فخرج الوزير وهو قلقٌ، لعنايته بالرُّخَّجيّ، وقال لكاتبه: اكتب إليه، وقل له: يا مشؤوم، ما الذي دعاك إلى معاداة القضاة؟ وأنت مقتول إن لم تتلافَ أمرك مع القاضي.