فلمَا بلغ قوله:
إذا افتخرتْ يومًا تميمٌ بقوسِها ... فخارًا على ما نلت من مناقبِ (?)
فأنتم بذي قارٍ أمالتْ سيوفُكُم ... عروشَ الذين استرهَنُوا قوسَ حاجبِ
محاسنُ من مجدٍ متى يَقْرِنُوا بها ... محاسنَ أقوامٍ تَكُنْ كالمعايبِ
مكارمُ لجَّت في العيون (?) كأنَّما ... تحاولُ ثأرًا عند بعض الكواكبِ
قال أبو دلف: يا معاشر ربيعة، والله ما مُدِحتم بمثل هذا قط، فما عندكم لقائله؟ فبادروه مطارفَهُم يرمونَ بها إليه، فقال أبو دُلَف: قد قَبِلها وأعاركم إيَّاها فالبسوها، وسأنوبُ عنكم في ثوابه، وأمر له بخمسين ألفًا، وقال: والله ما هي بإزاء استحقاقك وقدرك، فاعذر، فقام أبو تمام ليقبِّلَ يده، فأقسمَ عليه أبو دُلَفٍ بأن لا يفعل، ثمَّ قال له: أنشدني قولك في محمد بن حميد فأنشد: [من الطويل]
كذا فليجلَّ الخطب وليفدحِ الأمرُ ... فليس لعينٍ لم يَفِضْ ماؤُها عُذْرُ
تُوفِّيتِ الآمالُ بعد محمَّدٍ ... وأصبحَ في شُغْل عن السَّفر السَّفْرُ
وما كان إلَّا مال من قلَّ مالُه ... وذخرًا لمن أمسى وليس لهُ ذُخْرُ
فأَثْبَتَ في مستنقعِ الموت رِجْلَهُ ... وقال لها من تحتِ أَخْمصِكِ الحشرُ
تردَّى ثيابَ الموتِ حُمْرًا فما أتى ... لها الليلُ إلَّا وهي من سُنْدُسٍ خُضْرُ
وقد كانت البيضُ المآثيرُ في الوغى ... بواترَ وهي الآن من بعده بُتْرُ
أَمِنْ بعد طيِّ الحادثاتِ محمَّدًا ... يكونُ لأثوابِ الندى أبدًا نَشْرُ
سقى الغيثُ غيثًا وارت الأرضُ شخصَه ... وإن لم يكنْ فيه سحابٌ ولا قَطْرُ
وكيف احتمالي للسَّحاب صنيعةً ... بإسقائها قبرًا وفي لحدِه البحرُ
مضى طاهرَ الأثوابِ لم تبقَ بقعةٌ ... غداةَ ثَوى إلَّا اشتهت أنَّها قبرُ
ثَوى في الثَّرى من كان يحيى به الثَّرى ... وَيغْمُرُ صَرْفَ الدهرِ نائلُه الغَمْرُ