ويطيبون (?)، فاجتازَ بهم رجلٌ من الصالحين، فَدقَّ الباب، فخرجت إليه جاريةٌ، فقال لها: صاحب هذه الدار حرٌّ أم عبد؟ فقالت: بل حرّ، فقال: صدقت، لو كان عبدًا لاستعملَ أدبَ العبودية، وتركَ اللهو والطرب، فسمعَ بشرٌ محاورتهما، فسارع إلى الباب حافيًا [حاسرًا]، وقد ولَّى الوجل، فقال للجارية: ويحك، من كلَّمك (?) فأخبرته، [فقال: أيَّ ناحيةٍ أخذ الرجل؟ فقالت: ناحية كذا]، فتبعَه [بشر] حتى لحقَه، فقال له: يا سيدي، أنتَ الذي وقفتَ على الباب وخاطبتَ الجارية؟ قال: نعم، قال: أَعِدْ عليَّ ما قلت لها، فأعاد عليه، فجعلَ بشر يمرِّغُ خدَّيه على الأرض ويقول: بل عبدٌ، عبدٌ، عبدٌ، ثمَّ هامَ على وجهه حافيًا [حاسرًا] حتى عُرِفَ بالحفاء، فقيلَ له: لم لا تلبس نعلًا؟ ! فقال: لأني ما صالحني مولاي إلَّا وأنا حافٍ، فلا أزولُ عن هذه الحالة حتى الممات (?).
[وقد ذكرنا عن بنت المعافى بن عمران أنَّ بشرًا طرقَ الباب عليها يطلبُ أباها، فقالت: مَنْ بالباب؟ قلت: بشر الحافي، فقالت: لو اشتريتَ نعلًا بدانقين لذهبت عنك هذه الشهرة (?). وكان لها ستُّ سنين.
ذكره زهده وورعه وعبادته وخوفه ونحو ذلك:
حكى عنه أبو عبد الرَّحمن السُّلميّ أنَّه قال: ] (?) ما شبعتُ منذ ثلاثين سنة، وفي روايةٍ: منذُ خمسينَ سنة.
وقال أبو بكر المروزيّ: قدم بشر من عَبَّادان وهو متَّزرٌ بحصيرٍ بال.
[قال: ] وكان يقول: إنِّي لأشتهي الشواءَ منذ أربعين سنة، ما صفا لي درهمه، وإنِّي لأشتهي الباذنجان منذ ثلاثينَ سنةً، ما صفت لي حبَّة (?).