وقال سبحانه في كتابه المجيد: {ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْقُرَى نَقُصُّهُ عَلَيكَ مِنْهَا قَائِمٌ وَحَصِيدٌ (100)} [هود: 100]. في آيات كثيرة وإشارات (?) غزيرة. فالله تعالى مَنَّ على نبيّه - صلى الله عليه وسلم - بما قَصَّ عليه من أخبار الأمم في سالف الدهور والأعوام.
فصل
ومقاصد الناس في ذلك تختلف، على ما قد أُلِف، منهم مَن يؤثر مطالعةَ سِيرِ القدماء والحكماء، ومنهم من يميل إلى سماع أنباء الأنبياء والخلفاء والملوك والوزراء والأدباء والشعراء، ومنهم من يختار النظر في سير الفضلاء والزهاد والعبَّاد والصلحاء، ومنهم مَن مَقصودُه الوقوفُ على سيرة حازم ليستفيد منها حُسن التدبير، أو على آثار مُفَرِّط (?) ليحذر من مثلها كلُّ التحذير، وهذا حرف المسألة في معرفة السير، لمن فَهم المعنى وخَبَر الخبر.
ولما كان الغالب على التواريخ جمع الغث والسمين، والواهي والمتين، والتكرار الخالي عن الفوائد والفرائد التي يعجز عن جمعها ألفُ رائد، استخرت الله تعالى في تحرير هذا الكتاب، المشتمل على ما أشرتُ إليه من فصول الخطاب، وفنون العلوم والآداب، والسيرة والأنساب، ولو مددت فيه أطنابَ الإطناب، وأسباب الإسهاب، لانقطع سير السُّرى وكَلَّ كُلُّ الرِّكاب، وخيرُ الكلامِ ما قل ودل، ولم يَطُل فيُمل.
وشرطُه: أن أبتدئ بما ذكرت في تراجم الأبواب، من أن [في] خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لِأولي الألباب. ثم اتبع ذلك من سيرة نبينا - صلى الله عليه وسلم - بالحوادث في كل عام، ومن توفي من الأعيان والأعلام، وبداية التاريخ بالسنين، من مولد سيد المرسلين، وقلدت مَن سَلَف مِن السلف في الجرح والتعديل؛ لأنه لا يتوقف على الدليل، وسميته: "مرآة الزمان في تواريخ الأعيان"، ليكون اسمًا يوافق مسمَّاه، ولفظًا يطابق معناه.
وقبل الشروع فيه لا بد من ذكر فصول، تكون لتقرير قواعده كالأصول: