أذنبتُ ذنبًا عظيمًا ... وأنت للعفو أهلُ
فإنْ عفوت فمنٌّ ... وإنْ جَزيتَ فعدلُ
فرقَّ له المأمون، وأقبل على أخيه أبي إسحاقَ وابنِه العباس والقوَّاد فقال: ما ترون في أمره؟ فقال بعضهم: ضَرْبَ عنقه، وقال آخرون: تُقطع أطرافهُ وتُقصص، فقال المأمون لأحمدَ بنِ أبي خالد: ما تقول أَنْتَ؟ فقال: يَا أميرَ المُؤْمنين، إن قتلتَه وجدت مثلَك قد قتل مثلَه كثيرًا، وإن عفوتَ عنه لم تجد مثلَك عفا عن مثله، فأيُّما أحبُّ إليك: أن تفعلَ فعلًا تجد لك فيه شريكًا، أو تنفردَ بالفضل؟ فأطرق المأمونُ طويلًا، ثم رفع رأسَه وقال: يَا أَحْمد، أَعِد ما قلت، فأعاده، فقال: بل ننفرد بالفضل، ولا رأيَ لنا بالشركة. فكشف إبراهيمُ القناعَ عن رأسه وكبَّر تكبيرةً عالية وقال: عفا أميرُ المُؤْمنين واللهِ تعالى، فقال أميرُ المُؤْمنين: لا بأسَ عليك يَا عمّ.
وأمر بحبسه عند أحمدَ بنِ أبي خالد، فلمَّا كان بعد شهر، أحضره وقال: اعتذرْ من ذنبك، فقال: ذنبي أجلُّ من أن أتفوَّه فيه بعذر، وعفوُك أعظم من أن أنطقَ معه بشكر، ولكني أقول: [من الكامل]
يَا خيرَ مَن ذَمَلَت (?) يمانيَةٌ به ... بعبد الرسولِ لآيسٍ ولطامعِ
وأبرَّ مَن عبد الإلهَ على التُّقى ... عينًا وأقولَه بحقٍّ صادع
متيقِّظًا حَذِرًا وما يخشى العِدَى ... نبهانَ من وَسَناتِ (?) ليلٍ هاجع
مُلئت قلوبُ الناسِ منك مهابةً ... وتبيت تكلؤهمْ بقلبٍ خاشع
ما أكبرَ (?) الكَنَفَ الذي بوَّأتَني ... وطنًا وأمرعَ رتعه للراتع
للصالحات أخًا جُعِلتَ وللتُّقى ... وأبًا رَؤوفًا للفقير القانع
نفسي فداؤك إذ تضلُّ معاذري ... وأَلوذ منك بفضلِ حلمٍ (?) واسع