[والثاني: ] (?) أنَّه لمَّا مات طاهر، وثب الجندُ فانْتَهَبوا بعضَ خزائنه، فقام بأمرهم سلامٌ الأبرش الخصيّ، وأعطاهم رزقَ ستَّة أشهر، فصيَّر المأمونُ عملَ طاهرٍ إلى طلحةَ خليفةً عن أخيه عبدِ الله بن طاهر، وكان عبدُ الله مقيمًا بالرقَّة، فولَّاه المأمون عملَ طاهر كلَّه، وجمع له ذلك مع الشام، وكان يحارب نصرَ بن شبث، فبعث إليه بعهده [على خُراسان] (?) فوجَّه عبد الله أخاه طلحةَ إلى خُراسان، وبعث المأمونُ أحمدَ بن أبي خالدٍ إلى خُراسانَ للقيام بأمر طلحة، فشخص أحمدُ إلى خُراسان، فالتقاه طلحة، فقال له أحمد: غيِّب وجهَك عني؛ فإنَّ أباك عرَّضني للعطب، ولولا أميرُ المؤمنين ما خرجت إليك، ثم سار أحمدُ ومعه طلحةُ فعبروا النهر، وقرَّر أحمدُ أمورَ طلحةَ وعاد إلى العراق، فأعطاه طلحةُ ثلاثةَ آلافِ ألف درهم، وعروضًا بمئتي ألفِ (?) درهم، وأعطى كاتبَه إبراهيمَ بن العباس خمسَ مئة ألفِ درهم، ووصل أصحابَه وخواصَّه بأموال عظيمة، وأقام طلحة واليًا على عمل طاهرٍ سبعَ سنين في أيام المأمون، ومات طلحة، فاستقلَّ عبدُ الله بن طاهرٍ بالأعمال.
وذكر الحاكمُ في "تاريخ نَيسابور" أنَّ المأمونَ لما ولَّى عبدَ الله بنَ طاهر خُراسانَ وأقام بها، كتب إلى المأمون: أمَّا بعد: فقد بَعُدَت داري عن ظلِّ أميرِ المؤمنين، وقد اشتدَّ شوقي إلى حضرته؛ لأتشرَّف بخدمته وأتجمَّلَ بمجلسه وأتزيَّن بخطابه، وإن كُنْتُ في سعةٍ من العيش، لكن لا شيءَ عندي أبرُّ من قُربه، فإن رأى أميرُ المؤمنين أن يأذنَ لي في ورود حضرتِه لأجدِّدَ عهدًا بالمنعِم عليَّ وأتهنَّأَ بنِعَمٍ أسداها إليّ، فَعَلَ محسنًا إن شاء اللهُ تعالى.
فلمَّا قرأ المأمونُ كتابه، وقَّع فيه: قُربك يا أبا العباسِ حبيب، وأنت مني حيث كنتَ قريب، وإنما بعدت دارُك نظرًا لك، وسموًّا بك، ورغبةً فيك، فاتَّبع قولَ الشاعر (?): [من الطويل]
رأيتُ دُنوَّ الدارِ ليس بنافعٍ ... إذا كان ما بين القلوبِ بعيدُ