صاحبي: والله ما هي بأول عداوتك لي وبغضك إيايّ، فقال الرجل: أنا ما لي ولبهيم، إنما كان ينبغي أن ترافق بين بهيم وبين داودَ الطائيِّ وسلَّامٍ أبي الأحوص، يبكي بعضُهم إلى بعض، حتَّى يَشتفوا أو يموتون جميعًا.
فلم أزل أرفقُ به، وقلت: ويحك لعلَّها خيرُ سفرةٍ سافرتَها، [قال: وكلُّ هذا الكلام] وبهيمٌ لا يعلم بشيءٍ، ولو علم بشيءٍ لَما صاحبه، قال: فخرجا إلى الحجّ، فلمَّا عادا، أتيت إلى جاري أسلِّم عليه، فقال [لي: يا أخي] جزاك اللهُ عني خيرًا، ما ظننتُ أنَّ في الدنيا [أو في هذا الخَلْق] مثلَ أبي بكر، كان واللهِ يتفضَّل عليَّ في النفقة وهو مُعدم وأنا موسِر، ويخدمني وأنا شابٌّ قوي وهو شيخ ضعيف، ويطبخ لي وأنا مفطرٌ وهو صائم، فقلت: كيف كان أمرُك معه في الَّذي كنت تكره من طول بكائه؟ فقال: أَلِفتُ واللهِ ذلك [البكاء]، حتَّى كنت أساعده، حتَّى كان يتأذَّى الرفقةُ بنا، ثم أَلِفوا ذلك، فجعلوا إذا سمعونا نبكي بكَوا معنا، ويقول بعضُهم لبعض: ما الَّذي جعل هؤلاء أَولى بالبكاء منَّا والمصيرُ واحد؟ ! فكانوا يبكون ونبكي.
قال: وخرجت من عنده فأتيتُ بهيمًا، فسلَّمت عليه وقلت: كيف رأيت صاحبَك؟ فقال: خير صاحب، كثير الذِّكر لله تعالى، طويل التلاوة للقرآن (?)، سريع الدَّمعة، محتمل لهَفَوات الرفيق، جزاك اللهُ عنِّي خيرًا.
[فصل وفيها توفِّي
صاحبُ كتاب "المبتدأ" و"الفتوح" وغيرهما.
واسمه إسحاقُ بن بشرِ بن محمد، مولى بني هاشم.
قال الخطيب: وُلد ببلخَ واستوطن بخارى، فنُسب إليها، وتوفِّي بها في هذه السَّنة في رجب.