فيها هاجت الفتنةُ في الشام بين القيسيةِ واليمانية وتفاقم أمرُها، فعظُم ذلك على هارون، فخاف من انتقاضِ الحبل، فقال لجعفرِ بن يحيى: إمَّا أن تخرجَ أَنْتَ أو أنا (?)، فقال: بل أنا يَا أميرَ المُؤْمنين. فتوجَّه إلى الشام بالجنود والقوَّاد، فأطفأ النَّائرة، وسكَّن الفتنة، وأَحسن إليهم، فاتَّفقوا، وصَلَحت الأحوال واستقامت الأمور. فعاد جعفر إلى العراق، وولَّى على البلقاءِ صالحَ بن سليمانَ (?) بن عليّ، واستخلف على الشام عيسى بنَ العَكِّي، فلمَّا عاد إلى بغدادَ ارتفعت منزلتُه عند هارون، وقال منصورٌ النَّمَري: [من الطَّويل]
لقد أُوقِدت بالشَّام نيرانُ فتنةٍ ... فهذا أوانُ الشأم تُخمَدُ نارُها
إذا جاش موجُ البحرِ من آل بَرْمَكٍ ... عليها خبت شُهبانُها (?) وشَرارها
رماها أميرُ المُؤْمنين بجعفرٍ ... وفيه تلاقى صَدْعُها وانجبارها
رماها بميمون النَّقيبة ماجدٍ ... تراضى به قَحطانُها ونِزارها
لقد نشأت بالشَّام منه سحابةٌ ... يؤمَّل جَدواها ويُخشى دَمارها
فإنْ (?) سالموا كانت سحابة نائلٍ ... وغيثٍ وإلَّا فالدماءُ قطارها
إذا ما ابنُ يحيى جعفرٌ قَصَدَت له ... مُلِمَّاتُ خطبٍ لم تَرْعْه كبارها
غدا بنجوم السَّعد مَن حلَّ رحلُه ... إليك وعزَّت عُصْبةٌ أَنْتَ جارها
من أبيات.
وفيها قدم هارون سُور المَوصل لئلَّا يغلبَ عليها الخوارج، وكان قد خرج منهم جماعة.
وفيها كانت بمصرَ والإِسكندرية زلازلُ عظيمة، ووقع رأس مَنارة سَكندريةَ في البحر.