والناس مُنْقَصِفون (?) له، فصاح صائحٌ: أين مالك بن أنس؟ فجاءَ مالك حتَّى انتهى إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأعطاه شيئًا، فقال: اقسِمْ هذا على النَّاس، فخرجَ مالك يَقْسِمُه على النَّاس، فإذا هو مِسْكٌ يعطيهم إيَّاه.
وقيل أنْ سُئِل مالكٌ عن شيءٍ إلَّا قال قبل أن يتكلَّم: ما شاء الله. قالوا: فلو قال هذا في أخفى شيء لهُدِيَ فيه إلى الصواب.
وقال مالك: لما حجَّ المنصورُ دعاني فدخلتُ عليه، فحادثتُه، وسألني فأجبتُه، فقال: إنِّي قد عزمتُ أن آمر بكتبِك هذه التي وضعتها -يعني "الموطأ"- فتنسخَ نُسخًا، فأبعثَ إلى كل مصرٍ من أمصار المسلمين منها بنسخة، وآمرهم أن يعملوا بما فيها, ولا يتعدونه إلى غيره، ويَدَعُوا ما سوى ذلك من هذا العلم المُحْدَث؛ فإنِّي رأيتُ أصلَ العلم روايةَ أهل المدينة وعلمهم، فقلت: يَا أمير المُؤْمنين لا تفعل هذا؛ فإن النَّاسَ قد سبقتْ إليهم أقاويل، وسمعُوا أحاديثَ ورَووا روايات، وأخذَ كلُّ قومِ ما سبقَ إليهم، وعَمِلُوا به، ودانوا به من اختلافِ النَّاس، وإنَّ ردَّهم عمَّا اعتقدوه شديد، فدعِ النَّاسَ وما هُم عليه، فقال: لو طاوَعْتَني على ذلك لفعلتُه وأمرتُ به.
وقال مالك: ليس العلم بكثرة الرواية, ولكنَّه نورٌ يضعُه الله في القلب.
ذكر وفاته:
قال إسماعيل بن عبد الله بن أبي أويس: اشتكى مالك أيامًا يسيرةً (?)، فسألتُ بعضَ أهلنا عما قال عند الموت، فقال: تشهد، ثمَّ قال: لله الأمر من قبلُ ومن بعد، وتوفِّي صبيحة أربع عشرة من شهر ربيع الأول سنة تسع وسبعين ومئة، وصلى عليه عبد الله بن محمَّد بن إبراهيم بن محمَّد بن عليّ بن عبد الله بن عباس، وهو ابن زينب بنت سليمان بن عليّ، كان يعرف بأمِّه، ودفنَ بالبقيع، وكان يوم ماتَ ابنَ خمسٍ وثمانين سنة، وقيل: مات في صفر وقال معن بن عيسى: رأيتُ الفسطاط على قبر مالك بن أنس. وقيل: صلَّى عليه ابنُ أبي ذئب، ومات عن ستٍّ وثمانين سنة.