بينهما ثمانون فرسخًا. وعن ابن عباس: مثلُ ما بين البصرة والكوفة.
فإن قيل: فلم قال: {رِيحَ يُوسُفَ} ولم يقل: ريح القميص؟
فالجواب: أن غرضه كان يوسف ولهذا لم يجد ريح القميص من كان عند يعقوب {لَوْلَا أَنْ تُفَنِّدُونِ} أي: تُجهّلون وتسفّهون رأي وتكذبون {قَالُوا تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلَالِكَ الْقَدِيمِ} [يوسف: 95] أي: خطأك في حبِّ يوسف لا تنساه.
قوله تعالى: {فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ} أي: المبشر، قال ابن عباس. وهو يهوذا بن يعقوب.
قال السُّدي: قال يهوذا: أنا ذهبت بالقميص ملطخًا بالدم إلى أبي فأخبرته أنَّه أكله الذئب، وأنا أذهب بالقميص فأبشره أنَّه حي فأفرحه كما أحزنته.
وقال السُّدي عن ابن عباس: حمله يهوذا دونهم، وخرج حاسرًا حافيًا يعدو حتى أتاه، مَشَى ثمانين فرسخًا في سبعة أيام، ومعه سبعة أرغفة لم يستوفِ أكلها حتَّى وصلَ إليه {أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا} بعدما كان أعمى، وعاد قويًّا بعد أن كان ضعيفًا {قَال أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [يوسف: 96] من حياة يوسف وأنَّ الله يجمع بيننا؟ فقالوا عند ذلك: {قَالُوا يَاأَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ} [يوسف: 97] مذنبين {قَال} يعقوب {سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي}.
فإن قيل: فلم أخَّر يعقوب الاستغفار بقوله: {سَوْفَ}؟ فالجواب من وجوه:
أحدها: أنَّه أخَّره إلى وقت السحر لأن الدعاءَ بالأَسحار لا يُحْجَبُ عن الله تعالى، قال وهب: وأقام يستغفر لهم كلَّ ليلةِ جمعةٍ وقتَ السحر نيفًا وعشرين سنة.
والثاني: أن طلب الحوائج من الشباب أسهل من الشيوخ، قاله عطاء الخراساني، قال: ألا ترى إلى قول يوسف لإخوته {لَا تَثْرِيبَ عَلَيكُمُ الْيَوْمَ} وقول يعقوب: {سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي}.
والثالث: لأن ذلك الحقَّ كان متعلقًا بالغير، وهو يوسف، فقال: سوف أسأل يوسف، فإن عفا استغفرتُ، قاله الشعبي.
{إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [يوسف: 98] ثم قال يعقوب ليهوذا: كيف خلفت