تفتيش رحالكم. وانصرف بهم إلى يوسف {فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وعَاءِ أَخِيهِ} دفعًا للتهمة، وكان يفتش أمتعتهم واحدًا واحدًا (?). قال قتادة: ذكر لنا أنَّه كان لا يفتش ولا ينظر في وعاء إلا استغفر الله تأثمًا مما قذفهم به (?). حتَّى إذا لم يبقَ إلا بنيامين قال: ما أظنُّ هذا أخذ شيئًا، فقال إخوته: والله لا يُتْرَكُ حتَّى يُنْظَر في رحله، فإنه أطيبُ لنفسك ولنفوسنا، ففتحوا متاعه واستخرجوه منه، فذلك قوله تعالى: {ثُمَّ استَخرَجَهَا مِن وعَاءِ أَخِيهِ} وإنما قال: "استخرجها"، لأن الصاعَ يذكَّر ويؤَنَّث، وقيل: ردَّه إلى السقاية، وقيل: إلى السرقة.

واختلفوا في معنى قوله {كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ} قال مجاهد: يعني كما فعلوا به في الابتداء فعلنا بهم في الانتهاء، لأن الله تعالى أخبر عن يعقوب أنَّه قال: {فَيَكِيدُوأ لَكَ كَيدًا} والكيد جزاء الكيد.

وقال ابن عباس: معناه "كذلك كِدْنا ليوسف" أي: الهمناه وصنعنا له حتَّى ضمَّ أخاه إلى نفسه وحال بينه وبين إخوته بعلَّة كادها الله له، فاعتلَّ بها يوسف {مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ} ولضمَّه إلى نفسه {فِي دِينِ المَلِكِ} أي: في حكمه وقضائه، وبه قال قتادة.

وقال الضحاك: إن يوسف لم يتمكن من أخذ أخيه بَنْيامين وحبسه عنده في دين الملك، أي: في حكمه، لولا ما تلطفنا له حتَّى وجد السبيل إلى ذلك، وهو ما أجري على لسان إخوة يوسف أنَّ جزاءَ السارق الاسترقاق فأقرُّوا به وسلَّموا أخاهم، وكان ذلك مرادَ يوسف به.

{نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ} بالعلم كما رفعنا درجة يوسف على درجة إخوته {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ} [يوسف: 76] قال الحسن: ما على ظهر الأرض عالم إلا وفوقه عالم حتَّى ينتهي العلم إلى الله تعالى.

وقال وهب: ولما أخرج الصُّواع من رحل أخيه نكَّسَ إخوتُه رؤوسهم من الحياءِ وأقبلوا على بنيامين وقالوا: يا بني راحيل ما يزال لنا منكم بلاء، متى أخذتَ هذا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015