حامل به، فاعتنقا جميعًا، وبكيا، ودخل فروخ المنزل وقال: أخرجي المال الذي عندك، وهذه أربعة آلاف دينار معي، فقالت: المال دفنتُه.
فخرج ربيعةُ إلى المسجد وجلس في حلقته، وأتاه مالك بنُ أنس، والحسن بنُ زيد، وابنُ عليٍّ اللَّهَبي، وأشراف المدينة، وأحدق الناس به، فقالت له امرأته: اخرج وصلِّ في مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فخرج فنظر إلى الحلقة فرآها وافرة، فوقف عليها ورآه ربيعة، فنكس رأسَه يُوهمه أنه لم يره، فقال فرُّوخ لرجل إلى جانبه: مَنْ هذا؟ قال: ربيعة. فقال: لقد رفع الله ابني، ثم رجع إلى منزله، فقال لأمه: لقد رأيتُ ابنَك في حالة من العلم والفقه ما رأيتُ أحدًا من أهل العلم عليها، فقالت له: أيُّما أحبُّ إليك ثلاثون ألف دينار أو الحالة التي رأيتَه فيها؟ قال: لا والله إلا هذا. قالت: فإنِّي أنفقتُ المال كلَّه عليه حتى صار كذا، فقال: نعم ما فعلتِ، والله ما ضيَّعته (?).
وقال ابنُ وهب: تعبَّد ربيعة دهرًا طويلًا يصلّي النهار والليل، وجالسَ القاسم بنَ محمد، فنطق بعقل ولب، فكان القاسمُ إذا سُئل عن شيء يقول: سلوا ربيعة.
وقال سوَّار بنُ عبد الله: ما رأيتُ أحدًا أعلم من ربيعة الرأي، فقال له معاذ بنُ معاذ: ولا الحسنَ وابن سِيرين؟ قال: لا، ولا الحسنَ، ولا ابنَ سِيرين.
وقال بكر بنُ عبد الله الصَّنعاني: أتينا مالك بنَ أنس، فجعل يُحدِّثنا عن ربيعة، وكنَّا نستزيده، فقال لنا ذات يوم: ما تصنعون بربيعة؟ هو نائم في ذاك الطاق، فأتيناه، فأنبهناه وقلنا له: أنتَ ربيعةُ الذي يُحدّث عنك مالك بنُ أنس؟ قال: نعم. قلنا: كيف حظِيَ بك مالك ولم تحظَ أنت بنفسك؟ فقال: أما علمتُم أن مثقالًا من دولة خيرٌ من حِمْل علم؟
واستقدمه أبو العباس إلى الأنبار ليولِّيه القضاء، فلما أراد الخروج قال لمالك: إنْ سمعتَ أنِّي حدثتُهم، أو وَلِيتُ لهم قضاء، أو قبلتُ منهم مالًا، أو أفتيتُهم، فلا تعدَّني شيئًا، فلما قدم على السفاح استدعى منه ذلك، وبعث إليه بخمسة آلاف درهم، فلم