وخرجتُ من عنده، ولحقَني إبنُ هُبيرة، فوضعَ يده بين منكبيَّ وقال: يا أخا بني الحارث، واللهِ ما كان كلامي إيَّاك إلا هَفْوة، وإن كنتُ لَأَرْبأُ بنفسي عن ذلك، ولقد سرَّني أن لُقِّنْتَ الحُجَّة عليَّ ليكون ذلك أدبًا لي فيما أستقبل، وأنا لك بحيث تحبُّ، واجعلْ منزلَك عليَّ. ففعلتُ، فأكْرَمَني وأحسنَ نُزُلي وضيافتي (?).
وابنُ هُبيرة من قَيْس.
ذكر مقتله:
قد ذكرنا أن السَّفَاح وأبا جعفر أمَّنَاه، وأمّا بواسط وبها أبو جعفر، وكان السَّفَّاحُ لا يقطعُ أمرًا دون أبي مسلم، فكتب إليه في معناه، فكتب إليه أبو مسلم: إن الطريق السهل إذا وُضعت فيه الحجارة مَنعَتْ من سُلُوكه، فأزل هذا الحجر الثقيل من الطريق (?).
وقال المدائني: لما كتب أبو جعفر بينه وبين ابن هُبيرة كتابَ الصُّلح؛ خرجَ إلى أبي جعفر وبينه وبينه ستر، فقال ابنُ هُبيرة: أيُّها الأمير، إنَّ دولتكم بِكْرٌ، فأذِيقُوا الناسَ حَلاوتَها، وجَنِّبُوهُم مَرَارتَها، تَصِلْ محبَّتُكُمْ إلى قُلُوبهم، ويَعْذُبْ ذِكْرُكُم على ألسنتهم، وما زلنا منتظرين لدعوتكم، فوفع أبو جعفر الستر بينه وبينه وقال في نفسه: عَجَبًا لمن يأمرُني بقتل مثل هذا (?)!
وكان مع ابن هُبيرة يومَ خرجَ إلى أبي جعفر ألفٌ وثلاثُ مئة، فقيل له: أقْلِلْ، فما في كثرة الجيش فائدة. فصار يخرجُ في ثلاثة أنفس، يتغدَّى مع أبي جعفر، ويتعشَّى معه، ويُثني له وسادة، فيقال: إنه كان يُكاتب آلَ أبي طالب، ويدعو إليهم وإلى خلع أبي العباس.